والقدم ، وغير ذلك مما لا يعرفه إلا الراسخون في العلم.
وأما الأفعال ، فبحر متسع أطرافه ، ولكل أحد أن يخوض فيه ويسبح في غمراته بقدر غزارة علمه وقوة سباحته ، لكن لا ينال بالاستقصاء أطرافه ، لأنها مرتبطة بالصفات كالصفات بالذات ، بل ليس في الوجود إلا ذاته وصفاته وأفعاله التي هي صور أسمائه ومظاهر صفاته ، لكن القرآن مشتمل على الجلي منها ، الواقع في عالم الشهادة تصريحا وتفصيلا ، وعلى الخفي منها ، الواقع في عالم الغيب تلويحا وإجمالا.
فالأول ، كذكر السماوات والأرض والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار والسحب والأمطار وسائر أسباب الكائنات ، والحيوان ، والنبات. لكن أشرف صنائع الله وأعجبها وأعظمها وأدلها على جلال الله وعلوه ومجده ، ما هو محجوب عن الحس ، بل هو من عالم الملكوت ، وهي الملائكة والروحانيات والروح والعقل والنفس واللوح والقلم ، بل العرش والكرسي عند بعض ، فإن هذه كلها خارجة من عالم الملك والشهادة ، ومن أداني عالم ـ الملكوت هي الملائكة العمالة الموكلة بعالم الأرضين ، ومنهم كتبة الأعمال ، وملائكة جانب الشمال وكرام الكاتبين. قوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) فالسائق للعمل والشهيد للاعتقاد ، (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) وقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ، كِراماً كاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) ومنهم أعوان ملك الموت وسدنة النيران ، (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) ومنهم الساكنين في البراري والجبال ، ودونهم الجن والشياطين المسلطين على جنس الإنس الذين امتنعوا عن السجود لآدم عليهالسلام ، ومن أعاليهم الملائكة السماويون ، أي ، (الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) ... ، (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ). وأعلى منهم حملة العرش والكروبيون ، وهم العاكفون في حظيرة القدس ، لا الالتفات لهم إلى هذا العالم ، بل لا التفات لهم إلى غير الله ، لذهولهم عن ذواتهم واستغراقهم في شهود الحضرة الإلهية ، وهم من أهل الفناء في التوحيد ، ويقال لهم الملائكة المهيمة ، ولا يستبعد أن يكون في