ورابع الثلاثة وخامس الأربعة وسادس الخمسة وهكذا ، كما دلت عليه الآية المذكورة ، وهي قوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ...) الآية» وذلك لأن وحدته ليست عددية ، بل وحدة أخرى جامعة لجميع الآحاد والأعداد ، فلو كانت وحدته عددية لكانت داخلة في باب الأعداد ، فلم يكن حينئذ فرق بين أن يقال ثالث ثلاثة أو ثالث اثنين ، ولم يكن أحد القولين كفرا دون الآخر ، بخلاف ما إذا كانت وحدته خارجة عن باب الأعداد ، فكان القول حينئذ بكونه ثالث الثلاثة أو رابع الأربعة كفرا وباطلا ، إذ ثالث الثلاثة داخل في عدد الثلاثة وكذا رابع الأربعة داخل في الأربعة وهكذا.
ثم لما كانت وحدته نحوا آخر مغايرا لسائر الوحدات وليست من جنسها ، فهي مع كونها مغايرة لها جامعة لها مقومة إياها ، فلكونه تعالى كذلك ، صح أن يقال : إنه رابع الثلاثة ، فإذا انضم إلى الثلاثة واحد من جنسها ، صار هو سبحانه خامس الأربعة ، وهكذا إلى غير النهاية. وهذا مما يخفى دركه ، إلا على الراسخين «ف (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) ، وهو (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ). وفي كلام سيد الموحدين أمير المؤمنين عليهالسلام «مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايلة».
واعلم أن لنا بعد الكشف والشهود براهين متعددة على هذا المطلب تركنا ذكرها ، إذا لا تأثير في ذكرها لغير ذوي بصائر قلبية ومن كان ذا بصيرة قلبية يكفيه ما أوردناه من البرهان المذكور ، لأن من يتنور باطنه بنور الحق الأول ، فيشاهد أنه مع كونه واحدا غير قابل للتكثير والانقسام ، انبسط على هياكل الموجودات ، ووسع بجميع ما في الأرض والسماوات ، ولا يخلو منه شيء من الأشياء ولا ذرة من ذرات الكائنات ، وهو مع كونه مقوما لكل وجود ، مستغن مقدس عن كل موجود ، لا يلحقه من معيته لسائر الأشياء نقص ولا شين ، ولا تغير ولا تكثر وانقسام ، كالنور الحسي الواقع من الشمس على الروازن والثقب وعلى النجاسات والقاذورات من غير أن يتكثر ذاته ويتلوث بشيء منها أو يمتزج بها ، فإذا كان حال النور الحسي ، هكذا ، فما ظنك بحال نور الأنوار العقلية في انبساطه على الأشياء وعدم مخالطته بها.