حقيقة القدرة ، فلا يخرج عنها شيء من المقدورات ، وإلا لم يكن قدرة محضة ، بل قدرة من وجه وعجزا من وجه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وقوله : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) وهكذا قياس إرادته لقوله صلىاللهعليهوآله : «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» وقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقس عليه سائر صفاته الكمالية.
فعليك بهذه القاعدة الشريفة التي علمنا الله بها من لدنه ، فإنها عظيم الجدوى في باب التوحيد الخاصي ، لكن يجب عليك أن تعلم أن هذه القاعدة إنما يجري في الحقايق الكلية والمعاني الكمالية العامة التي يعرض للموجود بما هو موجود ، ولا مدخل في حدها تخصيص بمادة معينة أو استعداد خاص أو تجسم أو تغير كالإنسانية ، حيث إنها عبارة عن جوهر مخصوص بنمو واغتذاء وحس وحركة ، وهو لا محالة مغاير للفلكية والنارية والفرسية وغيرها ، فلا يمكن أن يكون حقيقة شاملة لكل شيء ويكون إنسانية لكل شيء. وكالسواد فإنه عرض مخصوص ينفعل عنه البصر الذي هو أيضا قوة مخصوصة في مادة وضعية مخصوصة ، فلا يمكن أن يكون السواد سوادا لكل شيء. والسر في ذلك ، أن كل حقيقة من هذه الحقائق المختصة ليست محض تلك الحقيقة ، بل هي بالضرورة ممتزجة بغيرها من الأعدام والنقائص والمضادات ، فالإنسان مثلا لا يمكن أن يوجد في الخارج بصرف الإنسانية من غير مخالطة أشياء مباينة له مخالفة لمعناه ، فلا محالة يتعين في ذاته بأن يكون مباينا لسائر الأنواع ، وذلك بخلاف الأمور الشاملة ، كالوجود والعلم والقدرة والحياة وغيرها ، إذ يمكن أن يكون من أفراد مفهوم الوجود وجود بسيط ، هو محض حقيقة الوجود من غير أن يكون معه شيء مباين للوجود ، فيكون لا محالة وجودا لكل شيء لا يعوزه شيء من الأشياء ، وكذا من أفراد العلم علم هو محض حقيقة العلم لا حيثية له مغايرا للعلم ، فيكون علما بكل شيء ، وعلى هذا القياس القدرة والحياة والإرادة.
فإن قلت : مفهوم العلم غير مفهوم القدرة ومفهوماهما غير مفهوم