على كثرتها وتفصيلها موجودة بوجود واحد في مرتبة الذات الأحدية ، لم يكن علمه تعالى بخصوصياتها وماهياتها مقدما عليها ثابتا له قبل وجودها.
ومنها ، أنه وقعت الإشارة إلى ما ذكرناه من كيفية علمه بالموجودات من جهة اشتمال أسمائه تعالى على كل شيء ، بقوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) كأنهم حيث لم يحصل لهم العلم بالأسماء ، لم يعرفوا كيفية علمه تعالى بكل خفي وجلي وجزئي وكلي. وسبب اختصاص الإنسان بهذا التعليم دون الملائكة وغيرهم ، أن حقيقة الإنسان مظهر جامع لمظاهر كل الأسماء ، بخلاف غيره من الموجودات ، فإن كل واحد منها مظهر لبعض الأسماء ، كالملائكة للسبوح والقدوس والسلام ونحوها ، والشياطين للمضل والمتكبر ، والعزيز ، والجبار وما يجري مجراها ، والحيوانات مظاهر للسميع والبصير والحي والقدير وأشباهها ، والنار مثلا للقهار ، والهواء للطيف ، والماء للنافع ، والأرض للصبور والأدوية السمية للضار ، والدنيا للأول ، والآخرة للآخر ، وعلى هذا القياس ، فلو لم يكن الإنسان مما يوجد فيه مظاهر جميع الأسماء والصفات لم يكن من شأنه العلم بالأسماء ومعرفة الأشياء كما هي ، والملائكة كل منهم له مقام معلوم ، فالقائم منهم لا يركع والراكع منهم لا يسجد.
ومنها ، إيراد ضمير ذوي العقول في قوله : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) مع أن المراد بها ليس أسماء الملائكة بل الأسماء كلها ، كما دل عليه سياق الآية. ففيه إشعار بما ذهب إليه أساطين الحكماء الأقدمون ، من أن لكل نوع من أنواع الموجودات جوهرا نورانيا عقليا هو كلي ذلك النوع وتمام حقيقته ومثاله القائم عند الله فهي المظاهر الأولى للأسماء الإلهية والصور النوعية الخارجية ، هي المظاهر الثانية ومظاهر المظاهر ، كما بين في مقامه على نحو البيان الحكمي البرهاني ، وليس غرضنا في هذا الكتاب إلا إشارة إجمالية إلى أسرار بعض آيات القرآن. وأما إيراد البراهين على وجه مبسوط مشروح ، فهو موكول إلى سائر كتبنا وتفاسيرنا سيما كتاب الأسفار الأربعة.
فإذا تقرر ما ذكرناه ، فنقول : أسماء الله تعالى بالحقيقة هي المحمولات