أحدها ، قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) فوصفها بالحسنى من قبل الله مشعر بأنها ليست من قبيل الهيئة العارضة للصوت ، إذ لا شرافة معتد بها لبعض الألفاظ على بعض ، إذ كلها من نوع واحد ، فكما لا فرق بين لفظ الإيمان والكفر والنور والظلمة في الحسن والقبح من حيث إنها هيئات مسموعة ، بل في مدلولاتها ومعانيها التي وضعت هذه الألفاظ بإزائها.
وثانيها ، قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) اذ معلوم أن الاسم مما يسبح به لا مما يسبح له.
وثالثها ، أن الذي صار سببا لمزية منزلة آدم ، عليهالسلام ، على الملائكة لم يكن مجرد حفظ الألفاظ ، بل الاسم هو ما يعرف به حقيقته وحده ، كمفهوم الحيوان الناطق للإنسان ، فقد يكون لشيء واحد في الوجود والهوية والذات مفهومات كثيرة كلها موجودة بوجود واحد ، كالجوهر ، والجسم ، والنامي ، والحساس ، والناطق ، والموجود ، والممكن ، والمتحيز والمتقدر ، والمتمكن ، وغير ذلك في باب الإنسان ، فإنها مع كثرتها بحسب المعنى والمفهوم صارت ذاتا واحدة موجودة بوجود واحد. فالمراد من الاسم في عرف العرفاء هو المعنى المحمول على الذات والفرق بين الاسم والصفة ، كالفرق بين المركب والبسيط بوجه ، فإن الاسم كالأبيض والصفة كالبياض ، والفرق بين العرضي والعرض عند محققي أهل النظر ، أن المأخوذ «لا بشرط شيء» هو العرضي والمأخوذ «بشرط لا شيء» هو العرض ، فالمسمى قد يكون واحدا والأسماء كثيرة وهي محمولات عقلية وليس المراد بها الألفاظ ، لأنها غير محمولة حملا اتحاديا ، وهذه الألفاظ التي هي بإزائها أسماء الأسماء عندهم ، وأما تلك المحمولات فهي بالحقيقة علامات ومعرفات للذات الموسومة بها.
واعلم أن عالم الربوبية عظيم الفسحة جدا ، فيه جميع ما في عالم الإمكان على وجه أعلى وأشرف مع ما يزيد عليها مما استأثره الله بعلمه ، ومن لم يكن عنده علم الأسماء ، تعذر عليه إثبات عالميته تعالى بجميع الموجودات ، لأنها بحسب وجوداتها الخاصة متأخرة عن مرتبة ذاته تعالى ، مع أنه تعالى عالم بجميعها علما مقدما على وجوداتها الإمكانية ، فلو لم يكن الممكنات