(وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وإنما سمي العقل الفعال قلما ، لأن شأنه تصوير الحقائق في ألواح النفوس وصحائف القلوب ، وبه يستكمل النفوس بالصور العلمية ، ويخرج ذاتها من القوة إلى الفعل ، كما بالأقلام ينتقش الألواح والصحائف ويتصور مادتها بصور الأرقام ونقوش الكتابة.
وأما اللوح ، فهو جوهر نفساني وملك روحاني يقبل العلوم من القلم ، ويسمع كلام الله عنه.
ومنها ، القضاء والقدر ، فالقضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات بحقائقها الكلية وصورها العقلية في العالم العقلي مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع ، وتلك مرتبطة بالحق الأول ، موجودة في صقع الإلهية ، لا ينبغي عدها من جملة العالم بمعنى ما سوى الله ، بل الحق أنها معدودة من لوازم ذاته الغير المجعولة ، لأنها صور علمه التفصيلي بما عداه ، ولذلك قال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) فالعالم كله جوده ورحمته وخزائن جوده ورحمته يجب أن يكون قبل الجود والرحمة ، فلو كانت تلك الخزائن من جملة جوده ، أي من مخلوقاته ومقدوراته ، فلا بد لها أيضا من خزائن سابقة عليها ، فظهر أن خزائن الله ليست من جملة المصنوعات والأفاعيل ، بل هي سرادقات نورية ولمعات جمالية وجلالية.
وأما القدر ، فهو قدران : قدر علمي ، وقدر خارجي ، فالأول عبارة عن وجود تلك الأشياء مقدرة مصورة بشخصياتها وجزئياتها في قوة إدراكية ونفس انطباعية. وأما الثاني ، فهو عبارة عن وجودها في موادها الخارجية مفصلة واحدا بعد واحد مرهونة بأوقاتها وأزمنتها ، موقوفة على موادها واستعدادتها ، متسلسلة من غير انقطاع ، كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) وقال : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) وأشار إلى القدر العلمي بقوله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) وقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) وسيأتي لك مزيد توضيح وتفصيل لهذا المقام.