اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ). والوجه في أن من نسي ذكر الله يكون من أهل العذاب وأنه يحشر أعمى وأصم ، أن بناء الآخرة على المعرفة والذكر ، لأنها نشأة إدراكية ودار حيوانية كما سنبين ، فعمارتها بالاعتقادات والعلم والنيات الصالحة والإدراكات الخالصة ، وبناء الدنيا على الظلمة المادية وعمارتها بالأمور الشهوية والأماني الباطلة. لأنها نشأة كدرة جرمانية (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ثم إن من جهل بالله جهل بالأشياء كلها ، لما تقرر من أن العلم بذات السبب لا يحصل إلا من جهة العلم بسببها ، ومن جهل بالأشياء كان من الهالكين في الآخرة ، لما مر من أن وجود الآخرة وجود إدراكي فيكون منسيا عند الله إذ لو كان مذكورا كان موجودا في نفسه إذ المعلومية لا ينفك عنه الموجودية في الأمور التي وجودها وجود إدراكي وصورتها صورة إدراكية ، وقال أيضا : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) وهذا بمنزلة عكس النقيض لقوله : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» على ما أوضحناه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ ، أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) جعل الله سبحانه الجهل بالله وآياته منشأ الرجوع إلى نار الجحيم والعذاب الأليم ، وذلك لأن نفوس الجهال أبدا متوجهة نحو لذات الأجسام وأغراض الدنيا وشهواتها ، إذ لا تعرف غير هذه الأمور. وأما العارف الرباني فنفسه لأجل الاستكمال بالعلم والإعراض عن الأمور الدنيوية الجسمانية ، متوجهة دائما نحو العالم القدس الإلهي ، راغبة إلى قربه تعالى ، لأن من أحب شيئا كان حشره الله إليه والجاهل لا يحب إلا الأمور الباطلة والأماني العاجلة الزائلة. ولا شك أن الدنيا وشهواتها أمور باطلة وهمية ، فكان حشره إلى عالم البوار والشرور والظلمات ، فمآله إلى نار الحجيم ونصيبه العذاب الأليم. قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).