نفسه وهو محال.
فقد ثبت أن الأول تعالى لكونه بسيط الحقيقة يجب أن يكون كل ـ الأشياء الوجودية على وجه أعلى وأشرف ، ولهذا ورد من الأذكار الشريفة «يا هو يا من هو يا من لا هو إلا هو» فإذا كان هذا هكذا ، فجميع الموجودات آثار ذاته ، فلا قدرة بالحقيقة إلا قدرته ، كما لا وجود إلا لمعة من وجوده. وكما لا ينافي كونه أصل الوجود تعدد الموجودات المصحوبة بالنقائص والإمكانات ، كذا لا ينافي كونه مؤثرا في جميع المقدورات ثبوت الوسائط من القادرين بينه وبين المقدورات ، فإن الإيجاد كالوجود مترتب ذو درجات ومراتب بعضها أعلى وبعضها أدون ، قال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ ، أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) ، وقال : (هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) وقال : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) وقال : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) وقال : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) إشارة إلى أن الأفعال المنسوبة إلى القوى ـ المؤثرة ، كالمصورة في تصوير الأعضاء وتشكيلها ، وكالماء والنار في التسخين والتبريد ، وكالإنسان في أفاعيله الصادرة عنه ، وغير ذلك كلها بالحقيقة صادرة عنه تعالى واقعة بتأثيره مع كمال وحدانيته وفردانيته ، فكل ما هو مقدور ومجعول لفاعل ، فهو من حيث صدوره عن ذلك الفاعل صادر عن الحق تعالى ، كما أن وجود كل ممكن من حيث وجوده شأن من شئون الحق ووجه من وجوهه ، ولذلك نسب الأفعال إليه تعالى من حيث نسب إلى مباديها المباشرة لها كما في قوله : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) وقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وقال أيضا : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) وفيه دلالة على أن الوجود كله خير ، لكن الخيرات متفاوتة بعضها أشد ، وبعضها أضعف ، فبعضها خير محض لا يشوبه شر بوجه من الوجوه أصلا ، وبعضها مشوب بشر أو شرور قليلة أو كثيرة بالإضافة ، فالخير الذي في عالم الجسم ليس مثل الخير الذي في عالم الروح ، بل عالم الأمر خير كله وعالم الخلق لا يخلو من شر أو شرور ، ومع ذلك خيره غالب على شره ، لأن وجوده خير وعدمه شر