فسمعتا كلمته ، وأجابتا دعوته ، وأطاعتا قوله ، و (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ويتناول المكلفين أمر تكليف وتشريع ، وإلى ذلك أشار بقوله : (قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) وما علموا أن الله يكلمهم على الدوام ، ولكن (لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) ، و (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) ، و (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) كما أسمع قوما آخرين أخبر عنهم بقوله (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) فالسمع الحقيقي ما هو قرين معرفة القلب لا اصطكاك الصماخ بالهواء الخارج ، وكل قلب يكون حيا بحياة المعرفة ، يسمع كلام الحق. وأما القلوب الميتة بموت الجهل فحالهم كما قال تعالى فيهم : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) ... (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) الخطاب بمقارعة الهواء لسمعهم الظاهر ، وقلوبهم موتى ، (لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ، كما أسمع نفرا من قوم موسى خطابه تعالى ، فلم ينفذ إلى بواطنهم نور كلامه ولم يطيقوا إسماعه ، فبعد ما رأوا من عظيم الآيات ، وأن الله أماتهم ثم أحياهم حرفوا وبدلوا ، فما يغني الآيات والدلالات ، وإن وضحت عمن حق عليهم القول ولزمهم الشقاوة وطبع على قلوبهم ، وقال الله تعالى فيهم : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ...)
واعلم أن بإزاء هؤلاء من كل أمة قوما وقع بينهم وبين الله مكالمة حقيقية ، يكلمهم الله وينظر إليهم وهم يسمعون كلامه بسمع قلبي بلا واسطة تعليم بشري خارجي ، فيكون الفهم لازما لسماعهم ، وقد ورد عن النبي صلىاللهعليهوآله «إن في أمتي محدثين مكلمين» ولا يشترط أن يكون هؤلاء ـ أنبياء تشريع ورسالة ، لأن الرسالة قد انقطعت وأبوابها قد غلقت وختمت ببعثة نبينا ، صلىاللهعليهوآله ، وما بقي إلا إلهامات من الحق وإعلامات وتعليمات ، وإليهم الإشارة بقوله صلىاللهعليهوآله : «إن لله عبادا ليسوا بأنبياء يغبطهم النبيون» أي ليسوا بأنبياء تشريع ، بل هم في الشريعة تابعون لمحمد ، صلىاللهعليهوآله ، وقد علمت أن التكلم الحقيقي ليس من شرطه أن يكون بكسوة