عند الله تعالى واجبة بوجوبه الذاتي باقية ببقاء الله لا ببقاء أنفسها ، وهي واحدة من حيث الوجود بحيث لا كثرة في وجودها وإن كانت كثيرة من حيث معانيها وأعيانها التي هو صور أسماء الله وصفاته ، كما قال الله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) وقوله تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) وقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) وقوله : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) وقوله : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) وقوله : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) وقوله : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ ، أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) وقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ولا شك أن قبضته ويمينه مقدستان عن التغير والدثور ، ومعنى الآية (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي اليهود ومن يحذو حذوهم ، أو يجري مجراهم ممن لم يعلموا ارتفاع ذاته عن عالم المفارقات فضلا عن عالم الأجسام ، فشبهوه ونسبوه إلى المثل والنظير والصاحبة والولد (وَقالَتِ الْيَهُودُ : عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) وأيضا : نسبوا إليه التعطيل في الإفاضة والإمساك عن الجود ، إذ (قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) فيداه غير زائلتين ، بل دائمتان قائمتان بالجود والرحمة. وقوله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) أي أرض الآخرة ، وهي الأعيان الثابتة المنورة بنور الوجود الفائض عليها من ذات الله تعالى ، والمراد بها ذات النفس الكلية المنورة بنور العقل الكلي المتحدة به الصائرة إياه بحسب الاستكمال الذاتي ، ومن حيث التفصيل نسبتها إليه نسبة القابل إلى المقبول ونسبة ما بالقوة إلى ما بالفعل. ويحتمل أن يكون المراد بأرض الآخرة ، جملة النفوس الإنسانية القابلة لفيضان النور العقلي الإلهي على ذواتها وعقولها الهيولانية ، أو النفوس الحيوانية الخيالية من الإنسان القابلة للأنوار الحسية التي يتمثل بها عند النفس ، الأشباح الأخروية والصور الشخصية المثالية.