الوضعية كنسبة الحركة التوسطية إلى الحركة القطعية ، فهكذا طبيعة الفلك شخص واحد من حيث لها وحدة مستمرة جامعة محفوظة بواحد عقلي هو عقله المدبر له المقيم لنفسه بإذن الله تعالى ، وإن كان له في كل وقت تشخص آخر ، فبذلك الواحد العقلي والحافظ القدسي صح القول بأن الفلك له ذات واحدة باقية غير داثرة ولا كائنة فاسدة ، فيكون له في كل آن هوية أخرى غير الهوية السابقة ، وصح القول بأنه يحدث في كل آن منه شخص آخر لا بقاء له في زمانين ، ولهذا أطبقت الشرائع الحقة في القول بحدوث العالم جملة لأنه في كل آن يحدث منه شخص غير الذي كان قبله وبعده.
وبالجملة ، فالعالم العقلي مصون عن التغير والفساد ، ولكل موجود في عالم الطبيعة صورة باقية في القضاء الإلهي واللوح المحفوظ عن المحو والزوال ، وله صورة إدراكية في كتاب المحو والإثبات ، وله أيضا صورة أخرى مادية غير إدراكية في المادة الهيولانية التي من شأنها الدثور والاضمحلال ، وهي القدر الخارجي ، والأولى هي القدر العلمي ، وكل منهما قابل للتغير والتبدل ، ففي الأولى المحو والإثبات ، وفي الأخرى الكون والفساد ، وهكذا عند المحققين. وعند بعضهم ، أن القدر هو الثانية دون الأولى ، ويرون أن المحو والإثبات لا يكونان إلا في المواد العنصرية ، والصور الجزئية المنطبعة في الفلكيات ثابتة أبدا بحالها من غير استحالة ، والتحقيق يصادمه من جهة العقل والقرآن جميعا. وقوم جوزوا المحو والإثبات في الصور الإدراكية الفلكية دون الصور المادية الخارجية. ونحن بإذن الله وتوفيقه نرى ، أن ـ المحو والإثبات في نفوسها وفي أجرامها جميعا فيقع في ألواح نفوسها المحو والإثبات أولا ويتبعها الكون والفساد في مواد أجرامها ثانيا ، ثم في سائر المواد الجزئية العنصرية ، ولا شك أن الثاني لازم للأول وكذا الثالث للثاني. ومن نطر إلى أحوال عقله ونفسه وبدنه نظرا وجدانيا ، يجد أن عقله أمر ثابت من أول العمر إلى آخره ، وأن كلا من نفسه الحيوانية وبدنه الطبيعي في التبدل والسيلان ، وكما أن بدنه الطبيعي لأجل الحرارة الغريزية والخارجية في الذوبان والاستحالة والسيلان ، فكذلك هوية نفسه الجزئية الحيوانية المدركة