لا يكون إلا بإرادة كلية ، والنزول الثاني بإرادة جزئيه تنضم إلى الإرادة الكلية ، فيتخصص ويصير جزئية ، فينبعث بحسب ملاءمتها ومنافرتها رأي جزئي وشوق جزئي يستلزم إرادة جازمة داعية إلى إظهارها في الخارج ، ويبرز من الغيب إلى الشهادة. فحركة الأعضاء بواسطة الأعصاب والرباطات في الإنسان الصغير ، بمثابة حركة السماء بواسطة الأشعة والأنوار في الإنسان الكبير ، وظهور الفعل في الخارج هو القدر الخارجي ، وكما أن سلطان الروح الكلي الذي هو روح العالم الكبير لا يكون إلا في العرش ، فهو من عالم الكبير بمنزلة الدماغ منا ، وكما أن مظهره الأول فينا هو القلب الذي هو منبع الحياة والحرارة الغريزية ، فكذلك مظهره في العالم هو الفلك الرابع الذي ارتكز فيه الشمس ، وهي سلطان الكواكب النورية ومعطي الأضواء والأنوار الحسية ومنبع حياة العالمين ، فهي من العالم بمنزلة القلب الصنوبري منا. وأما القلب المعنوي الذي هو محل الإيمان والمعرفة والحكمة وهو المذكور في لسان الشريعة والقرآن كقوله تعالى : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) وقوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) وقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فهو النفس الناطقة من ـ الإنسان لتقبلها في الأطوار ، وكونها تارة مع الطبيعة ، وتارة مع العقل ، وهي متجاذبة إلى الجانبين ، مترددة بين النشأتين ، كما ورد في الحديث عن النبي ، صلىاللهعليهوآلهوسلم : «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» وروح هذا الفلك الرابع بمنزلة النفس الحيوانية منا المتعلقة بالبخار اللطيف الدخاني المنبعث من القلب الذي حياته ، كأنه ذاتية كالأجسام الأخروية التي حياتها ذاتية لا واردة عليها من خارج ، كما سينكشف في مباحث المعاد وبهذا الروح يحيى جميع الأعضاء وهو كجرم الفلك ، ولذلك وصف الله السماء بالدخان للطافته ، وقبوله النارية والنورية بسرعة ، وهو ، أي الفلك الرابع البيت المعمور المشهور في الشريعة إنه في السماء الرابعة الذي أقسم الله به في التنزيل في قوله : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) ولهذا جعلت مقام عيسى روح الله ، وكانت معجزته إحياء الموتى لغلبة روحانيته وتجرده وقوة حياته ونورانيته. والطور يراد به العرش ،