حِمْلاً). لا شبهة في أن هذه الأوزار والأحمال التي يثقل ظهر القلب ويمنع النفس عن الصعود إلى الدرجات العلى ليست أجساما ثقيلة محسوسة بل هي من باب الهيئات النفسانية والأعراض التعلقية التي تجر النفس عن عالم النور إلى عالم الغرور من سلاسل الشهوات وأغلال التعلقات. قوله تعالى : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) لما بين في موضعه من أن الأخلاق والملكات ستصير صورا جوهرية يتصور بها النفس الإنسانية ويتلبس بها في الآخرة ، فيكون لها شعارا ودثارا.
ثم إن الهيئات المتمكنة في نفوس الأشقياء المبعدين من دار الكرامة هي من باب الشهوات الدنيوية واللذات الحيوانية والأغراض البهيمية ، فهي حاصلة من القوى العمالة للأجرام السفلية بالتقطيع والجمع والتفريق والتحليل والتركيب (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) ، أي ينزل عليهم من القواهر العلوية ما يتسخن به أبدانهم ، و (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) ، من قوة قوية لفاعل غليظ شديد يدعوهم إلى الأعمال الطبيعية وخدمة الشهوات الشيطانية واشتعال النيرانات الكامنة. ويقمعهم عن الميل إلى جهة السعادة وجانب القدس ، ويردهم إلى الجحيم التي وردوها أولا ، (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) بواسطة سماع وعظ أو نصيحة أو قراءة آية أو رواية حديث أو صحبة عالم ، (أُعِيدُوا فِيها) ، لغلبة دواعي سلطان الطبيعة على قلوبهم القاسية واستيلاء النفس الأمارة بالسوء على نفوسهم. قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) فدلت الآية على أن الغفلة والجهالة صارت سببا لخسران الآخرة ، وقد مر بيانه. قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا ، وَلَّى مُسْتَكْبِراً ، كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) قوله تعالى : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ، مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ ، وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا (بِآياتِ رَبِّهِمْ) لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) فهذه الآيات دلت على