تضاريس كالجبال الرواسي والأشجار وسائر المركبات ، وإلقاء ما فيها من الجثث والموتى والقشور بنزع صفوها الخالص من عكرها ، فالقشر يرمى واللب يرقى ، وعند ذلك لم يبق منها عين ولا أثر إذ لحق الخير بالخير ، ورجع الشر إلى البوار. وقوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ...) هذه كلها إشارة إلى تبدل النشأة الطبيعة لجواهر هذا العالم إلى النشأة الأخروية ، وخروج الأرواح من هذه الأجسام العظام إلى ما عند الله وقيامها وحشرها إلى مبدئها الأعلى. فتكوير الشمس اندراس طبيعتها ونفاد قوتها الجسمانية ، لأن تلك القوة متناهية وجودا وتأثيرا ، فلا بد من انقطاعها ، فإذا انصرمت القوة المحركة للجسم ، بطلت صورته وزالت حياته الحسية وبعثت إلى الدار الآخرة. وكذا انكدار النجوم دلالة على انطماس طبيعتها بخروج روحها إلى الآخرة عند انقطاع آجالها الطبيعية ، فإن بطلان اللازم وتبدله ، لازم لبطلان الملزوم وتبدله ، فانكدار النجوم كناية عن زوال نشأتها ، وتسيير الجبال ، تجديد صورتها بالحركة الجوهرية وتبدلها في كل آن ، وتسجير البحار ، إحالتها إلى النار الأخروية ، وتزويج النفوس أنما يكون بالعقول إذا كانت من الكاملين المقربين عند استكمالها وخروجها من القوة الروحانية إلى الفعل ، أو بصور حور العين إن كانت من أصحاب اليمين.
وأما النفوس الشقية ، فتزويجها يكون بالشياطين ، أو بالأبدان الحيوانية المناسبة لأخلاقهم وملكاتهم البهيمية والسبعية كما في قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) وقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) وقوله : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) وقوله : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) وقوله : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) كلمة إذا ، يراد بها وقت قيام القيامة. وحينئذ يكون الأجسام الطبيعية مدروسة ، وصورتها مطموسة ، وبواطنها مكشوفة ، وأرواحها قائمة ، كما أن اليوم بعكس ذلك فإن الأجسام هاهنا مشهودة بارزة والأرواح كامنة مستورة ،