وكل ما فيه حادث زماني ، والغرض الأقصى من خلق السماوات وإدارة الأفلاك وتسيير الكواكب وجريان الأمور على وفق القضاء الإلهي والقدر الرباني بتبليغ الأشياء إلى غاياتها الذاتية وخيراتها الأصلية ، وإزالة شرورها ونقائصها عنها ، ليكون العالم كله خيرا محضا لا شر فيه ونورا لا ظلمة فيه وتماما لا نقص فيه (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) ، إذ لا شك أن الدنيا طافحة بالشرور والآفات مشحونة بالمحن والآلام ، والنقائص والأعدام (يَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
فالغرض من أصل الإبداع وجود الباري وفيضه أن يصل كل ناقص إلى كماله ، وتبلغ المادة إلى صورتها ، والصورة إلى معناها ونفسها ، وأن تلحق النفس إلى درجة العقل ومقام الروح ، وهناك الراحة المطلقة والطمأنينة التامة والسعادة القصوى والخير الأعلى والنور الأتم ، وهذا هو المقصد الأقصى واللباب الأصفى في بناء الأرض والسماء وجرى سفينة الهيولى في الطوفان الدنيا ، ولأجله مجيء الأنبياء والرسل من ملكوت السماء بالوحي والأنباء والكتاب والدعاء ، ليزول الشر وينقرض الظلمة وأهلها ويعود الكائنات إلى ما بدئ منه ، فيصير لاحقا به فيتم الحكمة وتصعد الكلمة وتكمل الخلقة ، وتزول الدنيا وتقوم القيامة وتجيء الساعة وينمحق الشر وأهله ، وينقرض الكفر وحزبه ، (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ). فاحفظ يا حبيبي بهذا العلم المخزون والسر المكنون الذي (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
فمن الآيات الدالة على دثور العالم وزواله وانقطاعه قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ، وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ...) فانشقاق السماء لخروج روحها ونفسها عن مضيق هذه النشأة الناقصة استماعا وإجابة لداعي الحق. ليصير متحققة بالوجود الحقاني بعد الموت عن الوجود الطبيعي والنفساني ، والمعنى ، أنها فعلت في انقيادها لله حين أراد انشقاقها فعل المطواع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع ، أنصت له وأدغن ولم يأب ولم يمتنع ، كقوله تعالى : (أَتَيْنا طائِعِينَ) ومد الأرض انبساطها وزوال كل اعوجاج وامتتاء وعقد و