وخروج ما فيها من النفوس والأرواح من القوة إلى الفعل على التدريج في مدة عمر طبيعي للعالم ، ودورة كاملة لأجرامها الدوارة في مدة خمسين ألف سنة ، فيرجع في تلك المدة جميع تلك النسب والأوضاع إلى ما كانت أولا ، لقوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) ، وقوله تعالى : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) فإذا انقضت المدة وتمت العدة ، برزت إلى عالم الآخرة حقيقة الدنيا ، وخرجت من القوة إلى الفعل جميع ما هو مكنون في قبور الأجسام ومخزون في صدور النفوس وخزائن الأرواح (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) وكما أن الشخص الآدمي إذا عرض له الموت وخرجت روحه من البدن قامت قيامته ، لقوله صلىاللهعليهوآله : «من مات فقد قامت قيامته» وعند ذلك انفطرت سماؤه التي هي أم دماغه ، وانتثرت كواكبه التي هي قواه المدركة ، وانكدرت نجومه التي هي حواسه ، وكورت شمسه التي هي قلبه ومنبع أنوار قواه وحرارته الغريزية وتزلزلت أرضه التي هي بدنه ، ودكت جباله التي هي عظامه ، وحشرت وحوشه التي هي قواه المحركة سيما الغضبية ، فكذا قياس موت الإنسان الكبير أعني جملة العالم الجسماني الذي هو عند الحكماء حيوان مطيع لله تعالى متحرك بالإرادة والجبلة ، وله بدن واحد هو جرم الكل وطبع واحد سار في الجميع وهو طبيعة الكل ، ونفس واحدة كلية مشتملة على جميع النفوس ، وروح كلي مشتمل على جميع العقول وهو العرش المعنوي يستوي عليه الرحمن فبدن العالم وطبيعته هالكتان داثرتان ، وأما نفسه وروحه الكليتان. فهما محشورتان إلى الدار الآخرة راجعتان إلى الله قائمتان عنده.