ربي لقلت : وليت عليهم خيرهم لهم» (١) وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماما والأفضل قائم فيرجع إليه في الأحكام ، ويحكم بحكمه في القضايا.
ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه ، وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه حتى أتى قدره عليه ، فسميت رافضة.
وجرت بينه وبين أخيه الباقر محمد بن علي مناظرات لا من هذا الوجه ، بل من حيث كان يتلمذ لواصل بن عطاء ، ويقتبس العلم ممن يجوز الخطأ على جده في قتال الناكثين ، والقاسطين (٢) ، والمارقين. ومن حيث يتكلم في القدر على غير ما ذهب إليه أهل البيت : ومن حيث أنه كان يشترط الخروج شرطا في كون الإمام إماما ، حتى قال له يوما : على مقتضى مذهبك ووالدك ليس بإمام ، فإنه لم يخرج قط ، ولا تعرض للخروج.
ولما قتل زيد بن علي وصلب (٣) قام بالإمامة بعده يحيى (٤) بن زيد ، ومضى إلى خراسان ، واجتمعت عليه جماعة كثيرة. وقد وصل إليه الخبر من الصادق
__________________
(١) في سيرة عمر لابن الجوزي (ص ٤٩ و ٥١) : «لما حضرت أبا بكر الوفاة ، بعث إلى عمر يستخلفه. فقال الناس : استخلف علينا فظا غليظا لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ فما ذا تقول لربّك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال أبو بكر أتخوّفونني بربي؟! أقول يا رب أمرّت عليهم خير أهلك. ثم أمر من يجمله إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ...».
(٢) قسط : جار وحاد عن الحق.
(٣) كتب عامل العراق يوسف بن عمر الثقفي إلى الحكم بن الصلت وهو في الكوفة أن يقاتل زيدا ، ففعل. ونشبت معارك انتهت بمقتل زيد في الكوفة وحمل رأسه إلى الشام فنصب على باب دمشق. ثم أرسل إلى المدينة فنصب عند قبر النبي صلىاللهعليهوسلم يوما وليلة ، وحمل إلى مصر فنصب بالجامع ، فسرقه أهل مصر ودفنوه. (راجع الإعلام للزركلي ٣ : ٥٩).
(٤) لما قتل زيد بن علي سنة ١٢١ ه كان ابنه يحيى لم يزل مختفيا في خراسان حتى مات هشام ، فظهر أيام الوليد بن يزيد منكرا للظلم فسار إليه نصر بن سيار فعثر به فحبسه فكتب الوليد بإطلاقه وإرساله إليه بصحبة أصحابه فأطلقهم وأطلق لهم وجهّزهم إلى دمشق ، فلما كانوا ببعض الطريق توسّم نصر منه غدرا ، فبعث إليه جيشا عشرة آلاف مقاتل فكسرهم يحيى وكان معه سبعون رجلا ، وقتل أميرهم واستلب منهم أموالا كثيرة ثم جاءه جيش آخر فقتل يحيى في المعركة أصابه سهم في صدغه بقرية يقال لها أرغونة سنة ١٢٦ ه ودفن بها وقبره مشهور. (ابن كثير ١٠ : ٥ وشذرات ١ : ١٦٧).