ارتكبها ، استحق الخلود في النار ، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار. وسمّوا هذا النمط : وعدا ووعيدا.
* واتفقوا على أنّ أصول المعرفة ، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. واعتناق الحسن ، واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى ، أرسلها إلى العباد بتوسط الأنبياء عليهمالسلام امتحانا واختبارا (١) (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ
__________________
(١) ومن الأمور التي أجمعوا عليها والتي ذكرها عبد القاهر في «الفرق بين الفرق» ص ١١٤ ـ ١١٥ : «قولهم جميعا بأن الله تعالى غير خالق لأكساب الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات ... وأنه ليس لله عزوجل في أكسابهم ولا في أعمال سائر الحيوانات صنع وتقدير ولأجل هذا القول سمّاهم المسلمون قدرية».
«ومنها اتفاقهم على دعواهم في الفاسق من أمّة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين ، وهي أنه فاسق ، لا مؤمن ولا كافر ولأجل هذا سمّاهم المسلمون «معتزلة» لاعتزالهم قول الأمة بأسرها.
وللإفادة ، رأينا أن نذكر هنا ما أجمع عليه المعتزلة على لسان عالمين من علمائهم وهما : أبو الحسين الخيّاط في كتابه «الانتصار» ص ٥ ، والمهدي الدين أحمد بن يحيى المرتضى في كتابه «المنية والأمل» ص ٦. يقول الخياط : «أما جملة قول المعتزلة الذي يشتمل على جماعتها ، فليس يمكنك عيبه ، ولا الطعن فيه ، ما كنت مظهرا لدين الإسلام [يقصد بهذا أحمد بن يحيى بن إسحاق الروندي صاحب كتاب «فضيحة المعتزلة» الذي ألّف في الردّ عليه الخيّاط كتابه «الانتصار» ويقال إن كتاب «الفرق بين الفرق» للبغدادي مقتبس من كتاب ابن الروندي هذا] ، لأن الأمة بأسرها تصدق المعتزلة في أصولها التي تعتقدها وتدين بها وهو أن الله واحد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [سورة الشورى : الآية ١١](لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [سورة الأنعام : الآية ١٠٢] ولا تحيط به الأقطار ، وأنه لا يحول ولا يزول ولا يتغيّر ولا ينتقل وأنه (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) [سورة الحديد : الآية ٣] وأنه (فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [سورة الزخرف : الآية ٨٤] وأنه (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [سورة المجادلة : الآية ٧] وأنه القديم وما سواه محدث ، وأنه العدل في قضائه ، الرحيم بخلقه ، الناظر لعباده ، وأنه لا يحب الفساد (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [سورة الزمر : الآية ٧] ولا يريد ظلما للعالمين ، وأن خير الخلق أطوعهم له ، وأنه الصادق في أخباره ، الموفي بوعده ووعيده ، وأن الجنّة دار المتقين والنار دار الفاسقين».
أما المرتضى فيقول : «وأما ما أجمعوا عليه فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم محدثا ، قديما ، قادرا عالما ، حيا لا لمعان ، ليس بجسم ، ولا عرض ، ولا جوهر ، غنيا ، واحدا ، لا يدرك بحاسة ، عدلا ، حكيما ، لا يفعل القبيح ، ولا يريده ، كلف تعريضا للثواب ومكن من الفعل ، وزاح العلة ، ولا بدّ من الجزاء. ـ