وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل ، وهي لا ترجع إلى الذات ، ولا إلى أعراض وراء الذات ، فإنه يؤدي إلى قيام العرض بالعرض فتعين بالضرورة أنها أحوال ، فكون العالم عالما حال هي صفة وراء كونه ذاتا ، أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات ، وكذلك كونه قادرا ، حيا ، ثم أثبت الباري تعالى حالة أخرى أوجبت تلك الأحوال ، وخالفه والده وسائر منكري الأحوال في ذلك ، وردوا الاشتراك والافتراق إلى الألفاظ وأسماء الأجناس ، وقالوا : أليست الأحوال تشترك في كونها أحوالا وتفترق في خصائص؟ كذلك نقول في الصفات. وإلا فيؤدي إلى إثبات الحال للحال ، ويفضي إلى التسلسل ، بل هي راجعة إما إلى مجرد الألفاظ إذ وضعت في الأصل على وجه يشترك فيها الكثير ، لا أن مفهومها معنى أو صفة ثابتة في الذات على وجه يشمل أشياء ويشترك فيها الكثير ، فإن ذلك مستحيل أو يرجع ذلك إلى وجوه واعتبارات عقلية هي المفهومة من قضايا الاشتراك والافتراق.
وتلك الوجوه : كالنّسب والإضافات ، والقرب والبعد وغير ذلك مما لا يعد صفات بالاتفاق. وهذا هو اختيار أبي الحسين (١) البصري ، وأبي الحسن الأشعري ورتبوا على هذه المسألة : مسألة أن المعدوم شيء ، فمن يثبت كونه شيئا كما نقلنا عن جماعة من المعتزلة ، فلا يبقى من صفات الثبوت إلا كونه موجودا ، فعلى ذلك لا يثبت للقدرة في إيجادها أثرا ما سوى الوجود ، والوجود على مذهب نفاة الأحوال لا يرجع إلا إلى اللفظ المجرد ، وعلى مذهب مثبتي الأحوال هو حالة لا توصف بالوجود ولا بالعدم وهذا كما ترى من التناقض والاستحالة.
ومن نفاة الأحوال من يثبته شيئا ولا يسميه بصفات الأجناس. وعند الجبائي أخص وصف الباري تعالى هو القدم ، والاشتراك في الأخص يوجب الاشتراك في
__________________
(١) هو محمد بن علي الطيب ، أبو الحسين ، البصري : أحد أئمة المعتزلة. قال الخطيب البغدادي : له تصانيف وشهرة بالذكاء والدّيانة على بدعته. ولد في البصرة وسكن بغداد وتوفي بها. توفي سنة ٤٣٦ ه / ١٠٤٤ م. (راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٨٢ وتاريخ بغداد ٣ : ١٠٠).