أحدهما أنه يقول : يجوز التفضل بمثل الأعواض غير أنه تعالى علم أنه لا ينفعه عوض إلا على ألم متقدم.
والوجه الثاني أنه إنما يحسن ذلك لأن العوض مستحق ، والتفضل غير مستحق والثواب عندهم ينفصل عن التفضل بأمرين :
أحدهما : تعظيم وإجلال للمثاب يقترن بالنعيم.
والثاني : قدر زائد على التفضل بزيادة مقدار ولا بزيادة صفة.
وقال ابنه : يحسن الابتداء بمثل العوض تفضلا ، والعوض منقطع غير دائم.
وقال الجبائي : يجوز أن يقع الانتصاف من الله تعالى للمظلوم من الظالم بأعواض يتفضل بها عليه إذا لم يكن للظالم على الله عوض لشيء ضره به.
وزعم أبو هاشم أن التفضل لا يقع به انتصاف ، لأن التفضل ليس يجب عليه فعله.
وقال الجبائي وابنه : لا يجب على الله شيء لعباده في الدنيا إذا لم يكلفهم عقلا وشرعا. فأما إذا كلفهم فعل الواجب في عقولهم ، واجتناب القبائح ، وخلق فيهم الشهوة للقبيح والنفور من الحسن ، وركب فيهم الأخلاق الذميمة ؛ فإنه يجب عليه عند هذا التكليف إكمال العقل ، ونصب الأدلة ، والقدرة ، والاستطاعة ، وتهيئة الآلة ؛ بحيث يكون مزيحا لعللهم فيما أمرهم ، ويجب عليه أن يفعل بهم ادعى الأمور إلى فعل ما كلفهم به ، وأزجر الأشياء لهم عن فعل القبيح الذي نهاهم عنه. ولهم في مسائل هذا الباب خبط طويل(١).
* * *
وأما كلام جميع المعتزلة البغداديين في النبوة والإمامة فيخالف كلام
__________________
(١) من ضلالات الجبائي أنه سمى الله مطيعا لعبده إذا فعل مراد العبد. وكان سبب ذلك أن قال يوما لأبي الحسن الأشعري : ما معنى الطاعة عندك؟ فقال : موافقة الأمر. وسأله عن قوله فيها فقال الجبائي : حقيقة الطاعة عندي موافقة الإرادة. وكل من فعل مراد غيره فقد أطاعه ، فقال له أبو الحسن : يلزمك على هذا الأصل أن يكون الله مطيعا لعبده إذا فعل مراده فالتزم ذلك. فقال له ـ