البحث الثاني : في الغاية
الإنسان مدنيّ الطّبع لا يمكنه أن يعيش وحده كغيره من الحيوانات ، بل لا بدّ له من مشاركة أشخاص أخر من بني نوعه ، بحيث يستعين بعضهم ببعض في إصلاح جميع ما يحتاج إليه كلّ واحد منهم بحسب الشخص ، ويفعل كلّ واحد منهم بعض الأمور الضروريّة في البقاء ، من الحرث وإصلاح المأكل والملبس والمسكن.
ولا بدّ في ذلك من أن يعرف كل واحد منهم ما في نفس صاحبه من الحاجات فيضطرّ إلى سلوك طريق للتعريف ، وهي متعدّدة كالحركات والإشارات والرّقوم.
إلّا أنّهم وجدوا الكلام أنفع في هذا الباب من غيره.
أمّا أوّلا فلسهولة إدخال الصوت في الوجود لتولّده من كيفيّة مخصوصة في إخراج النفس الضروري ، فصرفه إلى وجه ينتفع به انتفاعا كلّيّا أولى من طريق آخر لا يخلو من مشقّة عظيمة.
وأمّا ثانيا فلأنّ الصوت يوجد في وقت الحاجة إليه وينتفي عند انتفائها ، فكان وضعه أولى ، إذ غيره قد لا يعدم وقت الاستغناء ، فيحصل بالوقوف عليه ضرر.
وأمّا ثالثا فلأنّ الكلام كما يحصل التعبير به عن الأجسام وتوابعها ، كذا يحصل التعبير به عن المجرّدات بل وعن المعدومات ، بخلاف الإشارات الّتي تختصّ بالمقارنات خاصّة.