وإن كان هو البشر فكذلك ، لاحتمال أن يكون بعض البشر وقف على المعنى الدقيق ، فوضع اللفظ بإزائه ثمّ خفي على غيره ذلك المعنى ، واستعمله في لازمه ، واشتهر الثاني ، وإن كان الأصل هو ذلك المعنى الدّقيق.
البحث الرّابع : في تعيين الغرض بالوضع
الغرض من وضع الألفاظ المفردة لمسمّياتها الممكنة تفهيم ما يتركّب من مسمّياتها بواسطة تركيب تلك الألفاظ المفردة ، وليس الغرض أن يفاد بها معانيها وإلّا لزم الدّور ، لأنّ إفادة الألفاظ المفردة لمعانيها موقوفة على العلم بكونها موضوعة لتلك المسمّيات ، وذلك متوقّف على العلم بتلك المسمّيات ، فلو استفيد العلم بتلك المسمّيات من تلك الألفاظ المفردة لزم الدّور.
لا يقال : هذا وارد في المركّب ، إذ لا يفيد معناه إلّا بعد العلم بوضع ذلك المركّب له ، فيستدعي سبق العلم بمعناه ، فلو استفيد العلم بالمعنى من المركّب لزم الدّور.
لأنّا نقول : نمنع توقّف إفادة المركّب لمعناه على العلم بوضعه له ، وذلك لأنّا متى علمنا وضع كلّ واحد من المفردات لمعناه ، وعلمنا دلالة الحركات المخصوصة على النّسب المخصوصة لتلك المعاني ، فإذا توالت الألفاظ المفردة بحركاتها المخصوصة على السّمع ، ارتسمت تلك المعاني المفردة مع نسبة بعضها إلى بعض.