المبحث الثّامن : في أنّ الحسن والقبح عقليّان
هذه المسألة هي المعركة العظيمة بين المعتزلة والأشاعرة ، وأكثر قواعد الاعتزال بل أكثر القواعد الإسلاميّة مبنيّة عليها ، وقد اضطرب العقلاء في ذلك اضطرابا عظيما ، فالّذي عليه المعتزلة كافّة أنّهما حكمان عقليّان.
والأشاعرة قالوا : الحسن والقبح قد يعنى بهما ملائمة الطبع ومنافرته ، وهما عقليّان بهذا الاعتبار.
وقد يعنى بهما كون الشيء صفة كمال أو نقص كقولنا : العلم حسن والجهل قبيح ، وهما عقليّان بهذا الاعتبار أيضا.
وقد يعنى بهما كون الفعل متعلّق المدح أو الذمّ ، والنّزاع فيه ، فعند المعتزلة أنّه عقليّ ، وإنّما يحسن الفعل أو يقبح لكونه واقعا على وجه مخصوص لأجله يستحقّ فاعله الذمّ أو المدح.
ثمّ ذلك الوجه قد يعلم بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضّارّ ، وقد يعلم بالاستدلال كحسن الصدق الضّارّ وقبح الكذب النافع وقد لا تحصل معرفته بالعقل مستقلّا بل يفتقر إلى مساعدة الشرع كحسن صوم رمضان وقبح صوم العيد ، فإنّ العقل لا يستقلّ بمعرفة ذلك ، لكن لمّا ورد الشرع به علمنا اختصاص كلّ واحد منهما بالوجه الّذي ناسب حكمه من حسن أو قبح ، ولو لا ذلك الاختصاص امتنع ورود الشرع به.
وذلك الوجه ما اشتمل عليه من اللّطف المانع من الفحشاء الدّاعي إلى الطّاعة ، لكن العقل لا يستقلّ بمعرفة هذا المذهب ، صار إليه جميع الإماميّة