المبحث الخامس : في الخطاب الذي لا يمكن حمله على ظاهره
قد بيّنا أنّه يجب الحمل على الظاهر مع التجرّد عن القرائن ، فإن دلّ دليل على امتناع الحمل على ظاهره ، وجب العدول عنه ، ولا يجوز القول بإهماله ، بل لا بدّ أن يراد به معنى ما لما تقدّم من استحالة أن يخاطب الحكيم بما لا مفهوم له ، وحينئذ نقول :
الخطاب إمّا أن يكون خاصّا أو عامّا ، فإن كان خاصّا وكان حقيقة في شيء ، ثمّ وجد ما يصرفه عنه ، فلا يخلو :
إمّا أن يدلّ ذلك الموجود على أنّ المراد ليس هو الظّاهر ، أو على أنّ غير الظاهر مراد ، أو على أنّ الظّاهر من الخطاب وغير الظاهر مرادان.
فإن كان الأوّل خرج الظاهر عن الإرادة ، فيجب حمله على المجاز ، فإن اتّحد وجب الحمل عليه من غير قرينة أخرى ، وإلّا لزم الإلغاء.
وإن تعدّد فإن دلّ دليل على إرادة معيّن منها وجب المصير إليه ، وإن دلّ على أنّه غير مراد ، فإن لم يبق إلّا وجه واحد حمل عليه ، وإلّا فإمّا أن تكون وجوه المجاز غير محصورة ، فعند القاضي عبد الجبار يجب نصب دليل على المراد ، لامتناع إرادتها أجمع ، مع تعذّر انحصارها علينا (١).
واعترض أبو الحسين (٢) باحتمال إرادة الجميع على البدل ، فإنّه ممكن
__________________
(١) انظر كلام القاضي عبد الجبار في المعتمد : ١ / ٣٤٩ ؛ والمحصول في علم الأصول : ١ / ١٨١.
(٢) المعتمد : ١ / ٣٤٩.