والتحقيق : أنّ النّهي طلب الإخلال بالشيء ، وهو يستلزم الأمر بما لا يصحّ الإخلال بالمنهيّ عنه إلّا معه ، فإن كان للمنهيّ عنه ضدّ واحد ، ولا يمكن الانصراف عنه إلّا إليه ، كان النّهي دليلا على وجوبه بعينه ، وإن كان له أضداد كثيرة لا يمكن الانصراف عنه إلّا إلى واحد منها ، كان النّهي في حكم الأمر بها أجمع على البدل.
المبحث الثالث : في أنّه ليس تحقّق العقاب على الترك شرطا في الوجوب
هذا مذهب القاضي أبو بكر (١) خلافا للغزّالي (٢) لوجهين :
الأوّل : العفو عندنا جائز على ما بيّناه في علم الكلام ، فلو كان العقاب على الترك شرطا في الواجب ، كان العفو عنه غير واجب ، وهو باطل بالإجماع.
الثاني : الواجب يتحقّق عند المنع من الإخلال ، ويكفي فيه ترتّب الذمّ على تركه وإن لم يحصل عقاب.
ومن العجب أنّ الغزّالي زيّف حدّ الواجب بأنّه الّذي يعاقب على تركه ، ورجّح أنّه الّذي يذمّ على تركه ، ثمّ ذكر عقيبه بلا فصل : إنّ الوجوب ماهيّته لا تتحقّق إلّا بترجيح الفعل على الترك ، والترجيح لا يحصل إلّا بالعقاب (٣).
وهذا تناقض ظاهر.
__________________
(١) التقريب والإرشاد : ١ / ٢٩٣.
(٢) المستصفى : ١ / ١٢٧.
(٣) المستصفى : ١ / ١٢٧ ـ ١٢٩ ؛ ولاحظ المنخول : ٢٠٦.