المبحث السابع : فيما به يصير الأمر أمرا
اختلف الناس في ذلك على أقوال :
فذهب قوم إلى أنّ الأمر إنّما كان بجنسه ونفسه ، وأنّه لا يتصوّر إلّا أن يكون أمرا ، وهو اختيار البلخي (١) من المعتزلة.
فقيل له : هذه الصّيغة قد تصدر للتهديد والإباحة ، فقال : ذلك جنس آخر لا من هذا الجنس ، وجعل صيغة افعل في الأمر حقيقة مغايرة لصيغة افعل في التهديد والإباحة مغايرة بالذات.
وقال آخرون : إنّما كان كذلك لصورته وصيغته.
وقال قوم بذلك بشرط التجرّد عن القرائن الصّارفة له عن جهة الأمر إلى التهديد والإباحة ، وإليه ذهب جماعة من الفقهاء ، وزعموا أنّه لو صدر من النائم والمجنون أيضا ، لم يكن أمرا للقرينة.
وهذا يعارضه قول من يقول : إنّه لغير الأمر إلّا إذا صرفته قرينة إلى معنى الأمر ، لأنّه إذا سلم إطلاق العرب هذه الصّيغة على أوجه مختلفة ، فحوالة البعض على الصّيغة ، والباقي على القرينة تحكّم محض ، فيجب التوقّف فيه ، فيوقّف.
وقال آخرون : إنّما كان أمرا ، لأنّ الامر أراد كونه أمرا وأجروه في هذه القضيّة مجرى الخبر.
__________________
(١) هو أبو القاسم الكعبي ، تقدّمت ترجمته آنفا.