المبحث الثالث : في انّ إطلاق الحقيقة والمجاز مجاز
قد بيّنا أنّ الحقيقة مأخوذة من الحقّ وهو الثابت ، ثمّ نقل إلى العقد المطابق ، لأنّه أولى بالوجود من العقد الغير المطابق ، ثمّ نقل إلى القول المطابق ، ثمّ نقل إلى استعمال اللفظ في موضوعه الأصليّ ، فإنّ استعماله فيه تحقيق لهذا الوضع ، فهو مجاز في المرتبة الثالثة من الوضع ، هذا بحسب اللّغة ، وإن كان حقيقة بحسب العرف.
والمجاز قد بيّنّا أنّه مفعل من الجواز والعبور ، وإنّما يحصل ذلك في الأجسام الّتي يصحّ عليها الانتقال من حيّز إلى آخر ، أمّا الألفاظ فإن أطلق عليها ذلك للمشابهة ، كان الإطلاق فيها مجازا.
وأيضا المجاز مفعل وبناؤه حقيقة إمّا في المصدر أو في الموضع ، وإطلاقه في الفاعل مجاز ، فاستعماله في اللّفظ المنتقل يكون مجازا.
وإن كان مأخوذا من الجواز المقابل للضرورة ، كان حقيقة ، فإنّه كما يمكن حصوله في الأجسام يمكن حصوله في غيرها.
فاللّفظ يكون موضوعا لذلك الجواز ، لأنّه موضوع لجواز أن يستعمل في غير معناه الأصليّ ، فيكون حقيقة ، إلّا أنّ الجواز إنّما سمّي جوازا ، لأنّه مجاز عن معنى العبور والتعدّي.