المبحث الثالث : في أنّ الاستدلال بالأدلّة اللفظيّة قد تكون قطعيّة
نازع في ذلك جماعة ، وزعموا أنّ الأدلّة اللّفظية كلّها ظنيّة ، واحتجّوا على ذلك بأنّه يتوقف على مقدّمات كلّها ظنيّة ، والموقوف على الظنّيّ أولى أن يكون ظنيّا.
بيان المقدّمة الأولى : أنّه يتوقف على مقدّمات عشر ظنيّة ، فتكون ظنيّة.
المقدّمة الأولى : نقل اللّغة ، والنحو ، والتصريف ، في أمور ظنّية ، إذ المرجع في ذلك إلى أهل اللّغة ، وقد وقع الإجماع على انتفاء عصمتهم وعدم تواترهم ، فجاز عليهم الخطأ والغلط والتّصحيف ، وقد غلط بعضهم بعضا في مواضع متعدّدة.
والمرجع في النحو والتصريف إلى أشعار القدماء ، لكنّ التمسك بتلك الأشعار ، يتوقف على مقدّمتين ظنّيتين :
إحداهما : أنّ رواتها آحاد ، والآحاد لا تفيد العلم.
وأيضا ، فإنّها مرسلة ، والمرسل مردود عند الأكثر.
الثانية : سلّمنا أنّه صحّ النقل عن ذلك الشاعر ، لكن جاز أن يلحن ويغلط.
أقصى ما في الباب : أنّه عربيّ قد يلحن.
ولهذا ، فإنّ جماعة من الأدباء حكموا بلحن أكابر شعراء الجاهليّة ، وإذا كانوا قد حكموا بلحنهم تقدح امتنع الوثوق بقولهم.
لا يقال : هذه الأغلاط نادرة ، فلا تقدح.