المبحث السادس : في أنّ دلالة الصيغة على الطلب بالوضع
اعلم أنّ لفظة افعل وشبهها تدلّ على الطلب من غير حاجة إلى إرادة أخرى ، وهو مذهب الأشاعرة والكعبي (١) من المعتزلة.
وقال الجبائيّان (٢) : لا بدّ مع ذلك الوضع من إرادة أخرى.
لنا : أنّها موضوعة للطلب ، فلا تتوقّف دلالتها عليه إلى إرادة ، كسائر الألفاظ.
ولأنّ الطّلب النفساني أمر باطن ، فلا بدّ من الاستدلال عليه بأمر ظاهر ، والإرادة أمر باطن فيفتقر إلى معرّف كافتقار الطلب ، فلو توقّفت دلالة الصيغة على الطلب على تلك الإرادة ، لم يكن الاستدلال بالصيغة على الطّلب.
احتجوا بأنّا نميّز بين الصّيغة إذا كانت طلبا ، وتهديدا ، ولا مائز إلّا الإرادة.
والجواب : أنّها حقيقة في الطلب ، ومجاز في التهديد ، وكما يجب صرف الألفاظ إلى حقائقها ، وإجزاؤها عليها عند التجرّد ، فكذا هنا.
__________________
(١) تقدّمت ترجمته ص ٣٦٧.
(٢) هما : أبو علي وابنه أبو هاشم.