وذهبت الأشاعرة إلى أنّ الكلام معنى قائم في النفس وجنس حقيقيّ ، ومغاير للحروف والأصوات ، تدلّ عليه هذه العبارات والرقوم والكتبة ، وما عداها من العلامات (١).
واختلف قول أبي الحسن الأشعري في هذه الأصوات والعبارات ، والظاهر من قوليه : أنّ الكلام يطلق عليها بنوع من المجاز ، كما يسمّى علوما باعتبار دلالتها عليها.
وذكر في جواب المسائل البصرية : أنّها كلام حقيقة ، وكذا كلام النفس.
فعنده أنّ كلام النفس معنى وجنس وحقيقة ، كالعلم والقدرة وغيرهما ، وأنّ ذلك المعنى مغاير للحروف والأصوات ، ومغاير لتصوّرها ، ومغاير أيضا لإرادة ما دلّت الأصوات عليه والعلم به.
ويذهب أيضا إلى أنّه في حقّ الله تعالى قديم ، وأنّه واحد ، ليس أمرا ولا نهيا ، ولا خبرا ولا غير ذلك من أساليب الكلام.
وهذه الدّعاوي كلّها مع غرابتها عن برهان غير متصوّرة ، والبحث في ذلك قد ذكرناه في كتبنا الكلاميّة.
المبحث الثاني : في حقيقة الأمر
اتّفق الناس على أنّه حقيقة في القول المخصوص ، واختلفوا في كونه حقيقة في غيره.
__________________
(١) لاحظ المنخول من تعليقات الأصول ، تأليف أبي حامد الغزالي : ١٦٣.