البحث الثاني : في أنّ اللّغة لا تثبت بالقياس
اختلف الناس في ذلك : فقال القاضي أبو بكر (١) وابن سريج (٢) وجماعة من الفقهاء وأهل العربيّة : إنّها تثبت قياسا.
ونفاه أكثر الشافعيّة والحنفيّة وجماعة من الأدباء.
وليس الخلاف في أسماء الأعلام ، لأنّها غير موضوعة لمعان توجبها.
والقياس ، لا بدّ فيه من جامعة تكون علّة باعثة أو معرّفة.
وإذا قيل : هذا سيبويه ، فالمراد أنّه حافظ كتابه ، أو شبيه سيبويه ، أو محيط بعلمه.
ولا في أسماء الصفات ، لأنّها وضعت للفرق ، كالعالم المتميّز بذلك عن غيره ، ولأنّ اطّرادها واجب ، نظرا إلى تحقّق معنى الاسم ، فإنّ معنى العالم من قام به علم ، وهو متحقّق في كلّ من قام به علم.
وإطلاق اسم العالم عليه بالوضع لا بالقياس ، إذ ليس جعل أحدهما أصلا والآخر فرعا أولى من العكس ، ولا في نحو رفع الفاعل ، لأنّه ضابط كلّيّ وقانون استفيد من وضع أهل اللغة ، فلا يرفع هذا الفاعل ، قياسا على رفع ذلك الفاعل.
__________________
(١) قال الآمدي في الإحكام : ١ / ٤٤ : اختلفوا في الأسماء اللغويّة هل تثبت قياسا أم لا؟ فأثبته القاضي أبو بكر وابن سريج من أصحابنا ...
(٢) أحمد بن عمر بن سريج ، القاضي أبو العباس البغدادي أحد فقهاء الشافعية ، مات سنة ٣٠٦ ه انظر الأعلام للزركلي : ١ / ١٨٥.