المبحث الرابع : في أنّ الوجوب إذا نسخ هل يبقى الجواز أم لا؟
اختلف الناس هنا ، فقال الغزّالي : إذا نسخ الوجوب لا يلزم [بقاء] الجواز (١).
وقال فخر الدّين الرّازي : يلزم بقاؤه (٢).
والتحقيق أن نقول : الجواز إمّا أن يعنى به الإذن في الفعل ، أو يعنى به ما يتساوى فعله وعدمه ، وخيّر فيه بينهما.
فإن أريد به الثاني ، فالحقّ مع الغزّالي ، لأنّ الوجوب والجواز حينئذ حقيقتان متضادّتان ، لا يلزم من رفع إحداهما ثبوت الاخرى ولا عدمها ، فإذا نسخ الوجوب ، بقي الحكم كما كان أوّلا قبل الوجوب ، من تحريم أو إباحة ، وصار الوجوب بالنسخ في تقدير العدم أوّلا.
وإن أريد به الأوّل ، فالحقّ ذلك أيضا.
لنا : أنّ الوجوب ماهيّة مركّبة من الإذن في الفعل والمنع من الترك ، ورفع المركّب قد يكون برفع أحد جزئيه ، وقد يكون برفعهما معا ، فرفع الوجوب تارة يوجد مع الإذن في الفعل ، إذا كان رفعه برفع المنع من الترك ، وقد لا يوجد إذا كان رفعه برفع الإذن في الفعل ، أو برفع الجزءين معا ، فنسخ الوجوب لا يستلزم بقاء الجواز.
__________________
(١) المستصفى : ١ / ١٤٢ ؛ والمنخول : ١٨٦.
(٢) المحصول في علم الأصول : ١ / ٢٩٦.