المبحث الثاني : في أنّ للأمر صيغة تخصّه ، وأنّ صيغة «افعل» ليست حقيقة في الإباحة والتهديد
اعلم أنّ بعض الناس قد ذهب إلى أنّ صيغة «افعل» مشتركة بين الواجب والندب ، اللّذين هما ترجيح وطلب ، وبين الإباحة والتهديد ، المطلوب منه عدم الفعل.
والحقّ خلاف ذلك ، لأنّا نفرق بين قوله : «افعل» وبين قوله : «لا تفعل» ، وبين قوله : إن شئت افعل وإن شئت لا تفعل ونعلمه قطعا.
ونعلم أنّ الأوّل أمر وطلب ترجيح الوجود ، بخلاف الباقيين ، وتحمل صيغة «افعل» عليه عند تجرّده عن القرائن الحاليّة والمقاليّة ، بأن تنقل الصّيغة إلينا عن ميّت ، أو غائب ، لا في فعل معيّن من صلاة وصيام ، بل في مطلق ، بحيث لا يتوهّم فيه قرينة مخصّصة لسبق ذهننا إليه.
ونعلم قطعا أنّ قوله : «افعل» وقوله : «لا تفعل» ، وقوله : إن شئت افعل وإن شئت لا تفعل ، أسماء متباينة لا مترادفة.
كما ندرك تفرقة بين قولنا : قام زيد ، وبين قولنا : هل قام زيد ، في أنّ الأوّل خبر ، والثاني استفهام.
وكذا بين قام زيد ، ويقوم زيد ، في أنّ الأوّل للماضي ، والثاني للحال أو المستقبل ، وإن كان قد يعبّر بأحدهما عن الآخر.
وكما ميّزوا بين الحال والماضي ، كذا ميّزوا بين الأمر والنهي ، فقالوا