البحث الثاني : في الحقيقة العرفيّة
اعلم أنّه قد تخطر معان يفتقر إلى التعبير عنها لم يوضع لها ألفاظ في اللّغة كما بيّناه ، فيضطرّ إلى اختراع ألفاظ لها.
لكن لمّا كرهوا الخروج عن قانون اللغة ، التجئوا إلى سلوك طريق يجمع تحصيل مطلوبهم ، والتزام قانون اللغة ، فعمدوا إلى كلّ لفظ موضوع لمعنى يناسب معناه الّذي طلبوا التعبير عنه ، فنقلوه إليه ، إذ كان ذلك جريا على قانون اللّغة ، ولم يخترعوا لتلك المعاني ألفاظا من عندهم ، للعلّة المذكورة.
فإن غلب استعمالهم في المعنى الثاني ، صار حقيقة عرفيّة ، إمّا بالعرف العامّ أو الخاصّ.
فإن أهمل الأوّل صار استعمال اللّفظ فيه مجازا عرفيّا وإن كان حقيقة لغويّة ولا نزاع في تجويز ذلك ، وإنّما الخلاف في الوقوع ، والحقّ ثبوته ، لوجود القدرة والدّاعي.
واعلم أنّ العرف العامّ منحصر في أمرين :
الأوّل : اشتهار المجاز بحيث يصير حقيقة عرفيّة ، فيستنكر استعمالها ، وجهات المجاز متعدّدة تأتي ، كحذف المضاف وإقامة المضاف إليه ، كتحريم الخمر ، وهو بالحقيقة مضاف إلى الشّرب ، وكتسمية الشيء باسم شبيهه ، كما يطلق كلام زيد على حكايته ، وكتسمية المتعلّق باسم المتعلّق ، كقضاء الحاجة بالغائط الّذي هو في اللّغة للمكان المطمئنّ ، وكتسمية