المبحث الثاني : في إمكان الخلوّ عنهما
قد بيّنا أنّ الحقيقة هي استعمال اللّفظ فيما وضع له ، أو اللّفظ المستعمل فيما وضع له ، ويقابله المجاز لا في اللفظ ولا في الاستعمال بل في الوضع ، فيكون هو اللّفظ المستعمل في غير ما وضع له ، أو استعمال اللّفظ في غير ما وضع له.
ولا شكّ في أنّ الاستعمال مسبوق بالوضع ، ففي حالة الوضع قبل الاستعمال لا يكون اللّفظ حقيقة ولا مجازا ، وإنّما يصير أحدهما بعد الاستعمال.
نعم أنّه يندر ذلك بل لا يوجد ، لعدم معظم فوائد الوضع.
وأيضا الأعلام ليست حقيقة ولا مجازا ، لكونها من الألقاب.
والحقيقة استعمال اللفظ فيما وضع له ، والمجاز في غير ما وضع له ، وهو يستدعي كونهما قد وضعا قبل الاستعمال لغة ، وأسماء الأعلام ليست كذلك ، فإنّ مستعملها لم يستعملها فيما وضعه أهل اللّغة ولا في غيره ، لأنّها لم تكن من وضعهم ، بل لفظ مستعمل من كلام العرب ما عدا الوضع الأوّل ، فإنّه لا يخلو عن الحقيقة والمجاز.
واعلم أنّ فخر الدين قال : إنّ دلالة اللفظ قد لا تكون حقيقة ولا مجازا ، واحتجّ بالأوّل (١).
وليس بجيّد ، فإنّ الدلالة مسبوقة بالاستعمال.
__________________
(١) المحصول في علم الأصول : ١ / ١٤٧.