المبحث السّادس : في جواز الاستنابة
اختلف النّاس في أنّه هل يجوز دخول النّيابة فيما كلّف به من الأفعال البدنيّة؟ فذهبت الأشاعرة إلى جوازه ، ومنع منه المعتزلة.
والوجه عندي التفصيل : فإن كان ذلك الفعل ممّا تعلّق غرض الشارع بإيقاعه مباشرة ، لم يصحّ دخول النّيابة فيه ، كالصلاة الواجبة ، وكحجّة الإسلام ، والصّوم الواجب ، مع تمكّن المكلّف من ذلك كلّه ، وإلّا جاز ، كالحجّ المندوب.
لنا : أنّه لا استبعاد في أن يكلّف الإنسان غيره بإيقاع فعل ويقول : «إن فعلته أنت أو استنبت فيه ، أثبتك ، وإن تركتهما معا عاقبتك» ، فجاز وروده من الشارع.
وما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه رأى شخصا يحرم بالحجّ عن شبرمة (١) فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم له : «أحججت عن نفسك؟» فقال : لا ، فقال له : «حجّ عن نفسك ثمّ حجّ عن شبرمه» (٢).
ولأنّه يصحّ قضاء الحجّ عن الميّت بالإجماع ، وهو نوع استنابة.
احتجّت المعتزلة بأنّ وجوب العبادة ، إنّما كان ابتلاء وامتحانا من الله تعالى للعبد ، وكسر النّفس الأمّارة بالسّوء ، وذلك ممّا لا تدخله النيابة ، كسائر صفات النّفس ، من اللّذات والآلام.
__________________
(١) قال ابن الأثير في أسد الغابة : ٢ / ٣٨٤ : «شبرمة» غير منسوب ، له صحبة ، توفّي في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم نقل الحديث المذكور.
(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٢٦٢ ، برقم ١٨١١ ؛ وسنن ابن ماجة : ٢ / ٩٦٩ برقم ٢٩٠٣ ، ونقله ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام : ١٤٤ برقم ٧٣٦.