وكلّ ما كان أقلّ شرطا كان أقلّ معاندا وأكثر وقوعا ، وهو دليل الأصالة.
ولأنّ الواضع اكتفى به في الدلالة ، فكأنّه قال : إذا سمعتم منّي كذا فافهموا كذا ، فمن تابعة في استعمال لغة وجب أن يجري على نهجه ، ولهذا سبق الحقيقيّ إلى الذّهن دون المجازيّ.
ولو قال لنا : مثل ذلك في المجاز كان حقيقة لا مجازا.
وللإجماع على أنّ الأصل الحقيقة ، قال ابن عبّاس : ما كنت أعرف [معنى] الفاطر حتّى اختصم إليّ شخصان في بئر ، فقال أحدهما : فطرها أبي ، أي اخترعها. (١)
وقال الأصمعيّ (٢) : ما كنت أعرف الدّهاق حتّى سمعت جارية تقول : اسقني دهاقا أي ملآن. (٣)
فاستدلّوا بالاستعمال على الحقيقة ، ولو لا علمهم بأنّ الأصل هو الحقيقة ، وإلّا لما ساغ ذلك.
تذنيب :
الحقيقة قد تهجر ويكثر استعمال المجاز إلى حدّ يجعل التعاكس فيه ، فتصير الحقيقة مجازا عرفيّا ، والمجاز اللغويّ حقيقة عرفيّة.
إذا عرفت هذا ، فإذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة الّتي لم تخرج إلى
__________________
(١) نقله عنه ابن الأثير في النهاية : ٣ / ٤٥٧.
(٢) تقدّمت ترجمته.
(٣) لاحظ الطراز : ١ / ٧٩.