وقد بيّنا أنّ التكلم بالمهمل ممتنع على الله تعالى.
لا يقال : إن عنيت بالمهمل ما لا فائدة فيه البتّة ، فلا نسلّم أنّ الأمر كذلك ، فإنّه [تعالى] لو تكلّم بما يقتضي ظاهره التوعّد ولا يكون قاصدا له ، يحصل منه فائدة التخويف للمكلّف ، فينقاد لأمره تعالى ، ويمتنع من الإقدام على ما ينهى عنه.
وإن عنيت أنّه لم تحصل فائدة الإفهام ، سلّمنا ذلك ، لكن لم قلت : إنّه غير جائز على الله تعالى؟ فإنّ ذلك هو أوّل المسألة.
لأنّا نقول : قد بيّنا امتناع حصول فائدة الإفهام والانقياد ، والامتناع عن الإقدام فرع قصد الإفهام.
وأيضا لو فتحنا هذا الباب لم يبق اعتماد على شيء من خبره تعالى ولا من خبر رسوله صلىاللهعليهوآله ، إذ لا خبر إلّا ويحتمل أن يكون المقصود منه غير المفهوم ، وهو معلوم البطلان.
واعلم أنّ هذه المسألة أيضا لا تتمشّى على قواعد الأشاعرة ، حيث نفوا الحسن والقبح العقليّين ، بل على قواعد المعتزلة.
احتجّت المرجئة بالآيات المتشابهة ، والدالّة (١) على اليد ، واليمين ، والوجه ، والرّوح ، ومكر الله ، والاستواء على العرش ، وغير ذلك ، فإنّها لا يراد منها ما فهم عنها من ظواهرها ، بل ما ليس بمعلوم عندنا.
والجواب : أنّ الآيات المتشابهة لها تأويلات ظاهرة عند أهل التفسير ، فلا يكون خطابا بغير المفهوم.
__________________
(١) في «ب» و «ج» : كالدالّة.