وقال آخرون : إنّما كان الأمر أمرا ، لأنّ الامر أراد الفعل المأمور به ، واختاره السيّد المرتضى (١) وهو مذهب محقّقي المعتزلة.
وربّما قال بعضهم إنّما يصير أمرا بإرادات ثلاث : إرادة المأمور به ، وإحداث الصيغة ، والدلالة بالصّيغة على الأمر ، دون الإباحة والتّهديد.
والأشاعرة منعوا من ذلك ، وجعلوا أمرا بالوضع ، ولا يشترط الإرادة.
والأوّل باطل عند المحقّقين.
واستدلّ السيد المرتضى بأنّ الأمر قد يكون من جنسه ما ليس بأمر (٢) وأنّ ما يكون أمرا جاز أن يوجد غير أمر ، فلا بدّ من سبب يقتضي كونه أمرا ، ولا سبب إلّا إرادة المتكلّم للمأمور به.
أمّا المقدمة الأولى : فلأنّ اشتباه اللفظ حسّا عند كونه أمرا وتهديدا وإباحة يدلّ على التماثل ، كما في السّوادين ، وكما حكمنا بالتماثل هنا ، لالتباسهما حسّا ، فكذا هناك.
وبيان المقدّمة الأولى : أنّ من سمع قم وهو امر لم يفصل بينه وبين كونه إباحة أو تهديدا ، ولقوّة هذا الالتباس جوّز من يجوّز البقاء على الكلام ، أو الإعادة أن يكون ما سمعه ثانيا هو ما سمعه أوّلا.
وأمّا بيان أنّ ما كان يقع أمرا يجوز أن يوجد غير أمر فوجوه :
الأوّل : الألفاظ العربيّة تدلّ بواسطة الوضع من أهل اللغة ، وهو يتبع
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤١.
(٢) في الذريعة : «من جنس ما ليس بأمر».