وإذا ثبت خلوّ بعض المعاني عن الألفاظ ، فنقول : المعاني قسمان :
منها : ما تكثر الحاجة إلى التعبير عنه ، لكثرة تداولها بين الناس ، وغلبة مزاولتهم لها ، فيجب وضع الألفاظ بإزائها ، لوجود القدرة ، والدّاعي ، وانتفاء الصّارف.
ومنها : ما لا تكثر الحاجة إلى التعبير عنه ، فإنّه يجوز خلوّها عن الألفاظ ، وذلك كأنواع الروائح.
واعلم أنّ اللّفظ المشهور بين الناس الخواصّ والعوامّ ، لا يجوز وضعه لمعنى خفيّ لا يعرفه إلّا الأذكياء ، كما يقوله أبو هاشم وجماعة من مثبتي الأحوال ، وأنّ الحركة ليست عبارة عن التحرّك (١) بين الناس ، بل هي موضوعة بإزاء معنى يوجب للجسم كونه متحرّكا.
لأنّ المعلوم عند الجمهور ، ليس إلّا كون الجسم متحرّكا ، فأمّا تلك الحالة الّتي يجعلونها معنى يوجب المتحركيّة ، فغير معلوم لأكثر العقلاء ، فلا يكون اللّفظ موضوعا له ، بل لا معنى للحركة إلّا نفس كون الجسم منتقلا. (٢)
وفيه نظر ، لأنّ الواضع إن كان هو الله تعالى ، فنسبة المعاني إليه كلّها على السّواء ، فلا يجوز أن يكون بعضها خفيّا عنده.
والخفاء عند النّاس ، لا يمنع الوضع عنه تعالى.
__________________
(١) في «ب» : التحريك.
(٢) الاستدلال للرازي في المحصول : ١ / ٦٨.