الثاني : اقتضاء الوصف لذلك الحكم في ذلك المحلّ إن توقّف على اقتضائه الحكم في محل آخر ، فإن لم ينعكس لزم الترجيح من غير مرجّح ، وإن انعكس دار. وإن لم يفتقر أحدهما إلى الآخر لم يلزم من انتفاء أحدهما انتفاء الآخر ، فلا يلزم من انتفاء كون الوصف مقتضيا لذلك الحكم في هذا المحل انتفاء كونه مقتضيا لذلك الحكم في المحلّ الآخر.
اعترض (١) بأنّ العلّة إن فسّرت بالموجب أو الداعي كان شرط كونه علّة للحكم في محلّ أن يكون علّة له في جميع المحال ؛ لأنّ العلّة إنّما توجب الحكم لماهيتها ، ومقتضى الماهية الواحدة واحد ، فإن كانت الماهية موجبة لذلك الحكم في موضع ، وجب كونها كذلك في كلّ المواضع ، وإلّا فلا.
وأيضا لا نسلّم لزوم الدور لو توقف كلّ منهما على الآخر ، لأنّه توقّف معية لا توقّف تقدّم.
وفيه نظر ، فإنّ التوقّف إنّما يتحقق في الشرط أو العلّة لا في المصاحبة ، لأنّ معنى كونه متوقّفا ترتّبه عليه.
الثالث : أجمعوا على جواز ترك العمل بالدليل في بعض الصور لوجود أقوى ، مع جواز التمسّك بالأوّل عند عدم المعارض ، فإنّ الإنسان قد يلبس الثوب لدفع الحرّ والبرد ، فإذا توعّده ظالم بالقتل لو لبسه ، ترك [العمل] بمقتضى الدليل الأوّل ، وإن عمل به في غير هذه الصورة. وإذا كان
__________________
(١) المعترض هو الرازي في المحصول : ٢ / ٣٦٩.