من التحريف تغيير الحكم ، كما ورد التفسير من أهل البيت على ذلك ، والمراد تغيير حكم الزنا فكان حكمه الرجم فتغير ، فكذلك في قوله تعالى : (يَسْمَعُونَ كَلامَ ـ اللهِ ـ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) يكون المراد من التحريف تغيير الحكم ، وكذلك ورد في الأخبار إطلاق التحريف على تغيير الحكم ، فعلى هذا يمكن أن يكون بعض الأخبار الدالة على تحريف الكتاب هو ذلك ، يعني تغيير أحكام الكتاب.
فظهر لك : أنّ الأخبار المتمسّك بها للتحريف على كثرتها لا تكون دالّة على التحريف ؛ لأنّ بعضها يكون ناظرا الى الاختلاف في القراءات ، وبعضها الى شأن النزول ، وبعضها الى تغيير أحكام القرآن ، وما ورد من أنّه سقط ما بين الكلمتين ثلث القرآن ، أو سقط عن القرآن بقدر سورة البراءة فقلنا : بأنّه لا يمكننا الالتزام بذلك ، بل كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك والحال أنّ المسلمين حافظين له ولم يقل أحد : إنّ القرآن حرّف أو اسقط منه؟ والشاهد على كذب ذلك أنّ ابن مسعود اذا طلب عثمان منه قرآنه أبى ولم يأت بقرآنه حتى ضربه ومع ذلك لم يأت بقرآنه الى عثمان ، وقرآن ابن مسعود كان مدّة في أيدي الناس ، حتى أنّ ابن النديم نقل في فهرسته بعض آياته ، فيكشف أنّ قرآن ابن مسعود كان في زمانه ، وفعلا لم يكن قرآنه بأيدينا ، إلّا أنّه نقل في كتب التفسير قراءته كما ترى في مجمع البيان ، واذا راجعت قراءته ترى أنّ اختلاف قرآنه مع هذا القرآن الذي بأيدينا لم يكن إلّا من قبيل الاختلاف في القراءة ، وفي بعض المواقع في ذكر شأن نزول الآية ، فعلى هذا أنّ ما ذكرناه يكون شاهدا على عدم التحريف ، مضافا الى ما عدّوه من مطاعن بأنه كان يطبخ القرآن لأنّه حرّف القرآن ، وأيضا أنّ ابن مسعود قال في المعوّذتين : إنّهما ليستا جزءا من القرآن بل كانتا تعويذا للحسنين ومع ذلك ذكر في قرآنه ، لكن لا بعنوان أنّهما جزء من القرآن ، ومع ذلك حسّنه السنّي والشيعي ، مع أنّه لم يسقط المعوّذتين فكيف يمكن أن يسقط نصف القرآن ولم يقل أحد : إنّ القرآن قد حرّف؟ كما أنّك ترى أنّ كتاب مكارم الأخلاق الذي لم يطّلع عليه حتى بعض العلماء فحينما