وجه الاستدلال هو : أنّه بعد ما يكون الكتمان موجبا لجواز اللعن فيكون حراما فيكون الإظهار واجبا ، واذا كان الإظهار واجبا لا بدّ من أن يكون القبول واجبا ، وإلّا يكون وجوب الاظهار لغوا ، فيدلّ على حجّية خبر الثقة ، وأنّه إذا أظهر وبيّن شيئا وجب قبول قوله.
وفيه : أمّا أولا فلأنّه من الواضح أنّ إظهار الأشياء يكون مختلفا ، فتارة يكون الأمر من الامور القلبية فإظهاره هو باللسان ، كما أنّ كتمانه عدم بيانه. وتارة يكون شيء لا من الامور القلبية بل يكون من الامور الخارجية فإظهاره لا يكون بصرف اللسان ، مثلا إذا كان الداعي على كتمان زيد يكون كتمانه تستّره وخفاءه عن نظر الناس ، لا صرف عدم ذكره باللسان ، ولو كان الداعي إظهاره فهو بأن يعرّفه ويشير اليه مثلا لا بصرف ذكره بلسانه ، ولو ذكره بلسانه يكون أيضا من باب المقدمة لإظهاره ، لا أن يكون إظهاره بصرف اللسان ، ففي الامور الخارجية لا يكون إظهارها صرف جريها على اللسان.
اذا عرفت ذلك فهذه الآية هي إعلام وإشارة الى علماء اليهود الذين كانوا يكتمون دلائل نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم المذكورة في التوراة ، ويحرفونها أو يحذفونها عن التوراة فلسان الآية أنّه لا تكتموا ذلك بأن تخرجوا من التوراة ما هو شاهد على صدق نبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل يجب عليكم بيان وإظهار ما في القوارة ممّا أنزله تعالى فيه للناس حتى يعلموا صدق دعوته ، فعلى هذا لا تكون الآية دالة على حجية الخبر أصلا ، لأنّ المخبر لا تكون وظيفته إلا ذكر الخبر ، وليس هذا مستفاد من الآية ، بل الآية دالة على أمر آخر وهو ما قلنا ، ويشهد على ذلك قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) فهذا دليل على أنّه لا بد من إظهار ما بيّنه الله في الكتاب حتى يظهر صدق دعوة نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم وما جاء به ، فافهم.
وثانيا : أنّنا لو تنزّلنا عن ذلك ولم نقل بأنّ المراد بالإظهار لا يكون صرف