أمّا أوّلا فلأنّ هذه الآية واردة في مقام ردّ اليهود الذين يقولون بحرمة بعض الأشياء بلا وجه ، فالله تعالى أمر نبيه صلىاللهعليهوآله أن يقول : لا يكون ما تقولون بحرمته حراما ، وأنزل هذه الآية ، ولا إشكال في أنّ اليهود قائلون بالحرمة الواقعية لا بالحرمة الظاهرية ، فعلى هذا تكون الآية في مقام بيان عدم الحرمة الواقعية ، فعلى هذا لا يمكن التمسّك بها للحكم الظاهري وما هو محلّ كلامنا.
وأمّا ثانيا فلأنّه بعد ما عرفت في باب الظنّ من أنّ التشريع يصدق بصرف الحكم لشيء بلا دليل ولو لم يعلم كونه خلاف الواقع ، وأنّه يصدق التشريع بصرف عدم الإذن فانتساب الحكم الى الشرع لا يمكن إلّا مع إذنه ، ففي كلّ مورد لم يرد الإذن لو نسب حكم الى الشارع يكون تشريعا محرّما كما قال به الشيخ رحمهالله في الأصل الأولي في العمل بالظن ، وعليه فانتساب حكم من الأحكام الى الشارع بمجرّد عدم ورود الدليل عليه وعدم إذنه يكون تشريعا ولو كان في الواقع حكم الشيء ما نسب اليه ، كما يظهر من قوله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ، فهذه الآية أيضا من الآيات الدالة على حرمة التشريع ، واليهود حيث كانوا يشرّعون ، ويدخلون في الدين ما لا دليل به ويحرّمون بعض ما لم يرد دليل من الشرع على حرمته فذمّهم الله تعالى بهذه الآية ، فعلى هذا غاية ما يثبت من الآية هو القول بالحرمة تشريعا وأنّ الشيء الفلاني يكون حراما والحكم بحرمته تشريعا ، وأمّا لو كان الترك لا بعنوان كونه حراما ولا بعنوان التشريع بل يكون من باب الاحتياط ورجاء إدراك الواقع فلا تشمله الآية ، ومحلّ النزاع يكون كذلك ، فافهم.
وأمّا ثالثا فلأنّ اليهود يقولون بالحرمة التشريعية وأنها من الله لا من باب الاحتياط ، فكيف يكون مرتبطا بالمقام الذي قال به القائل بالاحتياط بترك المشتبه من باب الاحتياط ورجاء إدراك الواقع؟
وممّا قلنا يظهر لك ما في التمسّك بالآية الشريفة : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ