الموقع الثاني :
بعد ما عرفت من أنّ المرفوع إمّا أن يكون جميع الآثار ، أو الآثار الظاهرة ، أو خصوص المؤاخذة وما هو الحق فيها فيقع الكلام في أنّ المرفوع بعد ما يكون استناده الى نفس هذه التسعة والمفروض أنّ نفس هذه التسعة لم ترتفع فالنسيان أو غيرها باق ، فلا بدّ أن يكون استناد الرفع الى هذه التسعة بلحاظ الأثر ، سواء كان جميع الآثار ، أو الآثار الظاهرة ، أو خصوص المؤاخذة هل يصحّ كون مورد الرفع محذوفا ، أو يكون مقدرا ، بمعنى أنّه حذف مثلا (المؤاخذة) ، أو لم يحذف ، بل يكون في التقدير كذلك ، أعني يكون تقدير المؤاخذة؟
اعلم : أنّ ميزان الحذف والتقدير هو : أنّه لو كان ما يكون غير مذكور في الكلام بحيث يكون الإسناد اليه حقيقة فقط لا ينطق به فهو محذوف ، وأمّا لو لم يكن كذلك هل يكون الإسناد به تنزيلا ولا يكون مضمرا حقيقة ، بل يكون في فرض الإضمار فهو التقدير؟ فعلى هذا في المقام بعد ما كان الإسناد الى نفس هذه التسعة غاية الأمر حيث لا يرفع نفس هذه التسعة فيسند الرفع الى أثرها ، فالإسناد الى الأثر لا يكون إلّا تنزيلا ، وبعد ما لم يكن الإسناد اليه حقيقة فيكون كالمقدر ، فعلى هذا كلّ ما نقول من رفع جميع الآثار أو الأثر الظاهر أو المؤاخذة لا يكون محذوفا ، بل يكون مقدّرا.
ثمّ إنّه لم يكن حديث الرفع كحديث لا ضرر ، ففي حديث لا ضرر حيث يكون الضرر في الخارج إمّا من ناحية الشارع ، وإمّا من ناحية المكلف ، وإمّا من ناحية الغير فالشارع نفى الضرر الذي يحصل من قبله ، فيمكن أن يقال : كما يكون الأمر كذلك بأنّه نفى الضرر حقيقة لأنه في الخارج يكون أحد أفراد الضرر هو الضرر الذي يجيء من قبل الشارع فنفاه الشارع حقيقة ، ولذا قال : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، فالضرر الذي يكون من الإسلام نفاه الشارع.