طرفه فلا يمكن القول بحرمة هذا ؛ لأنّه ليس لهذه الصغرى كبرى واقعية فلا بدّ من كبرى تعبدية وهو كلّ مظنون الخمرية حرام ، فبعد ضمّ هذه الصغرى لهذه الكبرى ينتج لك أنّ هذا حرام ، فلأجل ذلك حيث إنّ الظنّ صار سببا لإثبات المتعلق يصير وسطا فتكون حجية الظنّ حجية تعبدية بخلاف العلم فهو حجّة بذاته ، فبعد كون حجّية الظنّ حجية تعبدية ولم تكن لصغراه كبرى واقعية ، ولا يمكن انطباق صغراه على الكبرى الواقعية فلا يقع هذا الخمر المظنون صغرى لكل خمر يجب الاجتناب عنه ؛ لأنّ وجوب الاجتناب عرض الخمر الواقعي ، وهذا المائع المظنون خمريته غير معلوم كونه خمرا واقعا حتى يعرضه وجوب الاجتناب.
فمن أجل ذلك التزمت العامة تارة بأنّ الحكم الواقعي ليس حكما واحدا لكلّ من العالم والجاهل ، بل لكلّ منهما في كلّ واقعة حكم على حدة ، فمن اعتقد بوجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ كان الواجب عليه واقعا هو الجمعة ، ومن اعتقد بحرمته كان واقعا صلاة الجمعة عليه حراما.
وتارة بأنّ الحكم المجهول واقعا هو حكم واحد يشترك فيه الجاهل والعالم ، غاية الأمر من صادف اجتهاده بما هو الواقع فما هو الواقع عليه واجبا ، وإن لم يصادف رأيه بما هو الواقع بل صادف غير الواقع فيبدّل الواقع بالنسبة اليه.
والفرقة المحقّة ـ الشيعة ـ لمّا رأوا بطلان هذا الكلام وفساده لم يعتقدوا بهذه المقالة ، بل قالوا بأنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما واحدا يشترك فيه العالم والجاهل ، وليس له حكمان في واقعة واحدة ، ولا يبدّل ما هو الواقع لو لم يصادف رأي المجتهد الواقع ، بل في هذه الصورة أيضا حكم من أخطأ الواقع هو ما هو الواقع ، غاية الأمر هو أخطأ ولم يصل الى الواقع ، ومن هنا نشأ النزاع بين المخطّئة والمصوّبة ، فالعامة قائلون بالتصويب ؛ لأنّ باعتقادهم كلّ مجتهد مصيب لأنّ لكلّ حكما على حدة ، والشيعة قائلون بالتخطئة لأنّهم كما قلنا معتقدون بأنّ لله في كلّ واقعة حكما واحدا