فعلى هذا بعد كون الاحتمال منجّزا للعقاب لا الواقع نقول : إنّه لم يكن بيان للواقع المجهول ، وقاعدة قبح العقاب من غير بيان تحكم بقبح العقاب من غير بيان ، وقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل على هذا تحكم بدفع العقاب ، سواء كان واقعا أم لا ، فلا يمكن التمسّك بها للمقام.
واعلم : أنّ المقام بعد عدم كونه موردا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فنقول بأنّ مورد هذه القاعدة هو فيما ثبت الحكم وورد البيان عليه ، ولكن صار مردّدا بين الشيئين أو الأشياء ، كما أنّك تعلم بأنّ الخمر نجس ولكن لا تدري أنّ الخمر في هذا الإناء أو في هذا الاناء ، فأنت تحتمل العقاب في ارتكاب كلّ من الإناءين ، والحال أنّ المحرّم أو النجس ليس إلّا واحدا منهما ، ولكنّ العقل يحكم بعدم ارتكاب كلّ منهما لأجل هذه القاعدة. هذا كلّه لو كان المراد من الضرر هو العقاب.
وأمّا لو كان المراد من الضرر هو غير العقاب ، أعني الضرر الديني مثل البعد عن ساحة المولى ، فلو كان كذلك لا ريب في عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأنّ هذه القاعدة تحكم بعدم العقاب مع عدم البيان ، وأمّا المفاسد الأخر التي لا فرق في ترتّبها ـ كالبعد عن المولى ـ بين العلم والجهل فلا يمكن رفعها بهذه القاعدة.
فقال الشيخ رحمهالله في هذا المقام : إنّ الشبهة من هذه الجهة تكون موضوعية ، وفي الشبهات الموضوعية يكون الأصل الجاري هو البراءة باتفاق المجتهدين والأخباريّين ، والأخباريّون قائلون بالبراءة في الشبهات الموضوعية.
واستشكل عليه رحمهالله أوّلا : بأنّه لا تكون الشبهة موضوعية ، وليس الملاك في كون الشبهة موضوعية صرف كون الشّك راجعا الى الموضوع ، بل الملاك هو كون منشأ الشكّ الى الامور الخارجية ، كما لو أنّك تعلم بحرمة الخمر ولكن لا تدري بأنّ هل هذا خمر أو لا؟ ولا بدّ أن لا تكون وظيفة الشارع بيانه ، كما ترى في هذا المثال بأنّ للشارع بيان حرمة الخمر ، وأمّا هذا خمر أو لا فليس وظيفته بيان ذلك ، وأما في