المسألة الثالثة : فيما لو كان دوران الأمر بين الحرمة وغير الوجوب من جهة تعارض النصين ففي هذا المورد أيضا تجري البراءة ؛ لأنّه بعد ما يكون في باب تعارض النصين مقتضى القاعدة التساقط فأيضا يكون العقاب من غير بيان ؛ لأنّه ولو ورد الدليل إلّا أنّ الدليل لا بدّ وأن يكون بحيث يرشد الشخص ويمكن له التعويل عليه ، وفي مورد تعارض النصين ليس الأمر كذلك ، فعلى هذا يكون المورد هو جريان البراءة. نعم ، لو قلنا بمقتضى الأدلة الأخر بأنّ الحكم في تعارض الخبرين هو التخيير أو الاحتياط يكون أمرا آخر ، ولكن بمقتضى القاعدة بعد ما كان التساقط لا بدّ من القول بالبراءة.
المسألة الرابعة : هي في دوران الأمر بين الحرمة وغير الوجوب من جهة الشك في الواقعة الجزئية ، وهذا هو المسمّى بالشّبهة الموضوعية ، ويمكن أن يقال بالشبهة المصداقية ، والكلام في هذه المسألة يكون فيما لو كان الحكم والمفهوم مبينا والشك يكون في المصداق ، مثلا أنّه كان يعلم بأنّ الخمر الذي كان صفته كذا وكذا حرام شربه ، ولكنّ هذا الإناء الخارجي لا يدري بأنّه هل هو خمر حتى يجتنب عنه ، أو ماء حتى لا يجتنب عنه؟ والحال أنّه يعلم حكم الخمر ومفهومه ، وكذا حكم الماء مفهومه ، ولا إشكال في جريان البراءة هنا.
ولكن قد يتوهّم عدم جريان البراءة ؛ لأنّ موضوع جريان البراءة هو عدم البيان ، وأمّا مع البيان فلا مجال للبراءة ، وفي المورد بعد ما بيّن الشارع حكم الخمر ويعلم مفهومه فلا بدّ له من الاجتناب عن هذا المصداق ، إذ وظيفة المولى هنا هي البيان وقد عمل بها فلا يكون عقابه من غير بيان.
وفيه : أنّنا نقول شيئا على سبيل المقدمة : إن في كلام المتوهّم نوعا من الفساد ، وهو : أنّ النهي الذي صدر من الشارع بحسب الثبوت والتصور تارة يكون بنحو القضية المحصّلة ويكون نهيه انحلاليا ، بمعنى أنّ نهيه منحلّ الى نواه كثيرة بعدد