على أنّه ما لم تتمّ الحجّة على العبد لا يصحّ العقاب ، فلا شبهة في جريان البراءة في القسم الأول ، أعني إذا كان التكليف انحلاليا ، ومن هذه الجهة نتج الفرق بين الشرطية والمانعية ، فلا تجري البراءة في الأول دون الثاني ، مثلا اذا كان شرط الصلاة استعمال الملبوس من جلد مأكول اللحم فلو شكّ في أنّ شرط صلاته موجود أم لا لا يمكن جريان البراءة والحكم بصحة الصلاة ؛ لأنّ في الشرائط حيث إنّ مورد التكليف هو الوجود فلا يكون انحلاليا ، فعلى هذا لا بدّ له من تحصيل ذلك الوصف ، مثلا وصف لبس جلد مأكول اللحم ، فعلى هذا يكون التكليف معلوما والشكّ يكون في مقام الامتثال ، وفي مثل ذلك المورد يكون مجرى الاشتغال.
وأمّا في الشكّ في المانعية فليس كذلك ، فلو شكّ في أنّه هل هو لابس في صلاته من جنس غير المأكول والحال أنّه عالم بأنّ من موانع الصلاة هو لبس غير المأكول؟ فلا إشكال مع ذلك في جريان البراءة ؛ لما قلنا من أنّ التكليف والنهي يكون انحلاليا ، وينحلّ النهي الواحد الى نواه عديدة ، ففي الفرد المعلوم لا بدّ من الاجتناب ، وفي الفرد المشتبه تجري البراءة لجهل المكلف بالتكليف ، فظهر لك أنّ في الشبهات الموضوعية تجري البراءة ؛ لأنّ تكليف الكلّي وإن كان معلوما إلّا أنّه بالنسبة الى الفرد المشكوك لا يعلم المكلف بالتكليف ، وهذا معنى أنّ الشك يكون في الواقعة الجزئية إلّا اذا لم يكن النهي انحلاليا ، فافهم وتدبّر جيّدا.
هذا كلّه بحسب القواعد الكلية ، مثل قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، أو حديث الرفع ، ولكن لا يخفى عليك أنّه لا حاجة لنا في جريان البراءة في المقام الى ما قلنا أصلا حتى يقال ويتوهّم بأنّ ذلك في ما يكون النهي انحلاليا ، وأمّا اذا لم يعلم بأنّ النهي انحلالي أو لا فلا مجال للبراءة حتى نحتاج الى أن نقول في الجواب بأنّ النواهي الواردة في الشرائط تكون انحلالية ، بل نقول بأنّ في المقام يكون مقتضى الأصل هو البراءة لأجل أخبار كثيرة واردة في خصوص ما نحن فيه ، مثل رواية عبد الله بن