وعلى كل تقدير حيث كان يدري بأنّ ما فات منه يكون مع العلم بثبوت التكليف به وفات منه ، فعلى هذا لو حصل له العلم بالتكليف فلا مجال للبراءة ، ولو لم يحصل له العلم بالتكليف بالنسبة الى الأكثر يكون مورد البراءة ، وحيث في الحال ـ يعني بعد الوقت ـ لا يدري بأن حصل له العلم بالتكليف بالأقلّ أو بالأكثر بحيث لو كان علمه بالأكثر لا مجال للبراءة ، وإن كان علمه بالأقلّ فقط يكون في الأكثر مورد البراءة ، وأنّه على تقدير فوت الأقلّ يدري بكونه عالما ، ومع العلم لا مجال للبراءة فحيث الشكّ لا مجال لجريان البراءة ؛ لأنّ التمسّك بها تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقية.
ولا يخفى عليك فساد ما قاله بعض الأعلام ؛ لأنّه كما يأتي ـ إن شاء الله ـ في باب الاستصحاب مفصّلا أنّ العلم ما دام موجودا كان له الأثر ، واذا لم يكن موجودا لا يترتب عليه الأثر ، ولذا نقول بأنّ الشك في العلم شكّ في المعلوم ، لأنّ العلم في كلّ حال يكون طريقا وليس فيه إلّا جهة الإراءة والطريقية ، فما دام الطريق موجودا يترتّب عليه الأثر واذا لم يكن موجودا لا أثر له ، فلو كنت عالما في زمان كان له أثره في هذا الزمان ، وفي الزمان الثاني بمجرّد عدم العلم لا يترتّب أثر على العلم السابق.
ففي ما نحن فيه أيضا في ظرف التكليف بعد علمه كان للعلم أثر وهو لزوم الإتيان ، وفي الزمان الثاني لو لم تكن عالما فلا يكون أثر ، وليس للعلم السابق أثر أصلا ، فعلى هذا في هذه الحال لا يكون عالما بالتكليف بالزائد فتجري البراءة ، والعلم السابق ليس له أثر فعلا ؛ لأنّ طريقيته كانت في ظرف وجوده ، فعلى هذا في هذا الزمان لو كان الشكّ في أنّ ما فات منه هو صلاة واحدة أو اثنتين وما يكون فوته متيقّنا يجب إتيانه ، والمشكوك تجري فيه البراءة ، ولا يكون التمسّك بالبراءة تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقية ؛ لأنّا قلنا بأنّه على تقدير حصول العلم في السابق لا أثر له فعلا ، فوجوده على تقدير وجوده يكون كالعدم ، لأنّ العلم ما دام موجودا يكون منجّزا ، وفعلا حيث لا علم لا تنجّز للتّكليف. هذا ما في التوجيه.